شاركت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، في عدد من الفعاليات الهامة خلال المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية المنعقد في مدينة إشبيلية الإسبانية. وقد ركزت مشاركتها على مناقشة سبل إتاحة الحيز المالي للدول النامية، وتعزيز الأطر والمنصات الوطنية، ومواءمة تدفقات رؤوس الأموال مع أهداف التنمية المستدامة، بالإضافة إلى تقديم رؤية جديدة للتعامل مع قضايا الديون. جاءت هذه المشاركة ضمن وفد مصري رفيع المستوى برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، نيابة عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، مما يعكس الأهمية التي توليها مصر لقضايا التنمية المستدامة والتعاون الدولي.
إتاحة الحيز المالي ورؤية جديدة للديون
شاركت الدكتورة المشاط في جلسة نقاشية بعنوان «إتاحة الحيز المالي: رؤية جديدة للديون وتمويل التنمية»، والتي ضمت نخبة من الخبراء والمتخصصين في مجال التمويل والتنمية، من بينهم الدكتور محمود محي الدين، رئيس فريق الخبراء الأممي المعني بالديون والمبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل أجندة التنمية المستدامة 2030، ورولا دشتي، الأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (ESCWA)، وزووزانا بريكسيوفا، مديرة قسم الاقتصاد الكلي والمالية والحوكمة بلجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا (UNECA).
وخلال الجلسة، أكدت الوزيرة على أن المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية يمثل لحظة فارقة للوفاء بالتزامات المجتمع الدولي تجاه تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، خاصة في ظل الأزمات المتلاحقة التي تواجه العالم والتي تؤثر بشكل كبير على قدرة الدول النامية والناشئة على تحقيق أهدافها التنموية. وأشارت إلى أهمية تنفيذ توصيات تقرير الفريق الأممي لحل إشكالية الديون في دول الجنوب، والذي تضمن 11 مخرجًا، من بينها إعادة توجيه وتجديد موارد الصناديق القائمة ببنوك التنمية متعددة الأطراف وصندوق النقد الدولي لتعزيز السيولة، وتبني سياسات لتمديد آجال الاستحقاق، وتمويل عمليات إعادة شراء القروض وتخفيض خدمة الدين أثناء الأزمات، وإصلاح الإطار المشترك لمجموعة العشرين ليشمل جميع البلدان متوسطة الدخل، وإصلاح تحليلات القدرة على تحمل الديون (DSA) لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتعكس بشكل أفضل وضع البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
إصلاح الهيكل المالي الدولي ومواءمة تدفقات رأس المال
في سياق متصل، شاركت الدكتورة رانيا المشاط في جلسة رفيعة المستوى بعنوان «إصلاح الهيكل المالي الدولي: مواءمة تدفقات رأس المال مع أهداف التنمية والمناخ»، والتي نظمها مركز كولومبيا للاستثمار المستدام (CCSI)، وشبكة حلول التنمية المستدامة (SDSN)، ومجلس الحزام والطريق للتنمية الخضراء (BRIGC). وشارك في الجلسة عدد من الخبراء البارزين، من بينهم البروفيسور جيفري ساكس، رئيس شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة (SDSN)، وكلافر غاتيتي، المدير التنفيذي – لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا (UNECA)، والبروفيسور كيفين أوراما، كبير الاقتصاديين – البنك الإفريقي للتنمية، وكارلا لوفيرا، وزيرة المالية بدولة موزمبيق. وأكدت المشاط خلال الجلسة أن تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في القارة الأفريقية لا يمكن أن يتحقق بالاعتماد على الاقتراض فقط، ولا على تعبئة الموارد المحلية وحدها، بل من الضروري الدمج بين المسارين لضمان توفير التمويل الكافي والمستدام للمشروعات التنموية. كما أكدت أن مصر تعمل على تحقيق توازن دقيق بين التمويل المحلي والدولي، انطلاقًا من رؤية واضحة بأن حشد الموارد المحلية يعزز الاستدامة، بينما الشراكات الدولية توفر دفعة قوية نحو تنفيذ مشروعات استراتيجية كبرى.
التحديات العالمية والتعاون الإنمائي متعدد الأطراف
أبدت الدكتورة المشاط تطلعها لأن يُسهم المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية في اتخاذ خطوات ملموسة نحو إعادة هيكلة النظام المالي العالمي، الذي بات لا يتناسب مع حجم التحديات والمتغيرات التي تواجهها الدول النامية والناشئة، لافتة إلى أن ارتفاع الديون وانخفاض الاستثمارات يقوض قدرة الدول النامية والناشئة على اللحاق بركب التنمية. وأكدت على ضرورة التغلب على التحديات العالمية والعودة لمنظومة التعاون الإنمائي متعدد الأطراف. وفيما يتعلق بهيكل التمويل العالمي، أوضحت أن النظام المالي الدولي القائم حاليًا أدى إلى تعميق التفاوت في تدفقات رؤوس الأموال بين الدول النامية والناشئة والمتقدمة، ويحد من فرص التمويل بدول الجنوب، مؤكدة أن الدول النامية، وعلى رأسها الدول الأفريقية، مازالت تتحمل أعباء مالية غير عادلة نتيجة ارتفاع تكلفة التمويل، مقارنةً بالدول المتقدمة، وهذا التفاوت يُضعف قدرتنا على تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في توقيتاتها المحددة.
الآليات المبتكرة والجهود الوطنية لتعزيز التمويل
تطرقت الدكتورة المشاط إلى الجهود الوطنية لتعزيز التمويل من أجل التنمية من خلال الآليات المبتكرة مثل برامج مبادلة الديون مع الجانبين الألماني والإيطالي، وتوقيع اتفاق جديد مع الجانب الصيني، مشيرة إلى المصداقية والثقة بين مصر ومؤسسات التمويل الدولية والتي ساهمت في حشد تمويلات ميسرة بأكثر من 15.6 مليار دولار للقطاع الخاص منذ عام 2020. وأضافت أن تدفقات رؤوس الأموال تسير في الاتجاه العكسي، بعيدة عن الدول ذات الاحتياج الأكبر، رغم ما توفره هذه الدول من فرص استثمارية عالية العائد، موضحة “بدلًا من أن تتجه رؤوس الأموال نحو الفرص التنموية ذات العوائد المرتفعة، نلاحظ تدفقات خارجة بسبب ارتفاع المخاطر المرتبطة بالتقلبات العالمية، مما يحد من قدرة الدول على جذب التمويل طويل الأجل. نحن بحاجة إلى إصلاحات جادة في منظومة التمويل الدولية”.