تتجدد كل عام مع بداية السنة الهجرية ذكرى الهجرة النبوية الشريفة، تلك الذكرى العظيمة التي غيرت مجرى التاريخ الإسلامي. وبينما يحتفل المسلمون في جميع أنحاء العالم بهذه المناسبة الجليلة، تتخذ الاحتفالات في مصر، وخاصة في القاهرة، طابعاً مميزاً يمزج بين الروحانية العميقة والتراث الشعبي الأصيل. ومن أبرز هذه الاحتفالات، الموكب المهيب الذي تنظمه الطرق الصوفية، والذي ينطلق من مسجد الجعفري متجهاً إلى ساحة الإمام الحسين رضي الله عنه، ليشكل لوحة إيمانية بديعة تجذب الأنظار والقلوب.

احتفالات الطرق الصوفية برأس السنة الهجرية 1447.. مسجد الجعفري: نقطة الانطلاق نحو الأنوار

يبدأ الموكب من أمام مسجد الجعفري، أحد المساجد العريقة في القاهرة، والذي يعتبر نقطة تجمع رئيسية للطرق الصوفية. قبل انطلاق الموكب، يعج المسجد بالمريدين والمحبين الذين يتوافدون من مختلف أنحاء البلاد للمشاركة في هذه الفعالية الدينية الهامة. يصدح المسجد بالأذكار والتواشيح الدينية، وتعم الأجواء حالة من الخشوع والسكينة، استعداداً للانطلاق في رحلة روحانية نحو ساحة الإمام الحسين. يعتبر مسجد الجعفري بمثابة القلب النابض لهذه الاحتفالات، حيث تتجسد فيه روحانية التصوف الحقيقية، تلك الروحانية التي تدعو إلى المحبة والسلام والتسامح.

الموكب المهيب: تجسيد للمحبة والولاء

ما أن ينطلق الموكب من مسجد الجعفري، حتى يتحول إلى نهر بشري متدفق، يضم الآلاف من المريدين والمحبين الذين يرتدون الملابس البيضاء المميزة للطرق الصوفية. يتقدم الموكب حملة الرايات والأعلام التي تحمل أسماء الله الحسنى وأسماء آل البيت الكرام، وتتبعهم فرق الموسيقى الصوفية التي تعزف الأناشيد الدينية والتراثية التي تبعث في النفوس شعوراً بالبهجة والسرور. يمر الموكب بشوارع القاهرة القديمة، وسط ترحيب حار من الأهالي الذين يحرصون على المشاركة في هذه الفعالية الدينية المميزة، سواء بالدعاء أو بالتصوير أو بتقديم الماء والطعام للمشاركين. يعكس هذا الموكب المهيب مدى المحبة والولاء التي يكنها المصريون للطرق الصوفية ولآل البيت الكرام.

ساحة الإمام الحسين: محطة الوصول والاحتفاء

تعتبر ساحة الإمام الحسين رضي الله عنه المحطة النهائية للموكب، حيث يتجمع الآلاف من المريدين والمحبين للاحتفال بذكرى رأس السنة الهجرية. تقام في الساحة العديد من الفعاليات الدينية والثقافية، مثل المحاضرات والندوات الدينية التي تتناول سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام، وعروض الإنشاد الديني التي تقدمها كبرى الفرق الصوفية في مصر. كما تقام أيضاً حلقات الذكر التي يشارك فيها الآلاف من المريدين، والتي تهدف إلى تطهير النفوس وتزكيتها. تعتبر ساحة الإمام الحسين بمثابة مركز روحي وثقافي هام في القاهرة، حيث يلتقي المحبون والمريدون للاحتفاء بذكرى الهجرة النبوية الشريفة والتعبير عن حبهم وولائهم لآل البيت الكرام.

ختاماً: رسالة سلام ومحبة من قلب القاهرة

تعكس احتفالات الطرق الصوفية برأس السنة الهجرية في القاهرة، وخاصة الموكب المهيب من مسجد الجعفري إلى ساحة الإمام الحسين، صورة حقيقية عن التسامح الديني والتعايش السلمي الذي يميز المجتمع المصري. تحمل هذه الاحتفالات رسالة سلام ومحبة من قلب القاهرة إلى العالم أجمع، تؤكد على أهمية التمسك بالقيم الإسلامية السمحة ونشر ثقافة الحوار والتسامح بين مختلف الثقافات والأديان. إن هذه الاحتفالات ليست مجرد فعاليات دينية، بل هي تعبير عن الهوية المصرية الأصيلة التي تمزج بين الروحانية العميقة والتراث الشعبي الأصيل.