أثار قرار البرلمان الإيراني بالموافقة على إغلاق مضيق هرمز موجة من القلق العارم في الأسواق العالمية. وكان الذهب في مقدمة الأدوات المالية التي التقطت هذا التوتر؛ إذ شهدت أسعاره قفزات ملحوظة عالميًا مع تزايد الطلب عليه باعتباره ملاذًا آمنًا في أوقات الاضطرابات الجيوسياسية والمخاطر الاقتصادية المحتملة. فالمستثمرون يتجهون فورًا إلى الذهب عند كل تهديد يعصف بإمدادات النفط أو حركة التجارة الدولية خاصة إذا ارتبط الأمر بممر مائي استراتيجي بحجم مضيق هرمز الذي يمر عبره قرابة خمس صادرات النفط العالمية. وبمجرد تداول خبر قرار البرلمان الإيراني، بدأ الذهب عالميًا في التحرك صعودًا، إذ يرى المستثمرون أن أي تصعيد قد يؤدي إلى مواجهات عسكرية أو اضطرابات في سوق الطاقة ما سيضغط على العملات الرئيسية مثل الدولار، ويزيد المخاوف من ركود اقتصادي عالمي؛ الأمر الذي يدفع البنوك المركزية والمؤسسات الكبرى نحو زيادة حيازاتها من الذهب حفاظًا على قيم أصولها.

 

تعديل التوقعات بشأن السياسات النقدية

 

مع ارتفاع الأسعار عالميًا بدأت الأسواق في تعديل توقعاتها بشأن السياسات النقدية، وبدأت تظهر مخاوف من أن تلجأ بعض الدول إلى تقليص وتيرة رفع أسعار الفائدة بسبب التوترات المتوقعة وهو ما يزيد من جاذبية الذهب كأداة تحوط استثماري. وعلى الصعيد المحلي في مصر فقد انعكست هذه التطورات العالمية بشكل سريع على سوق الذهب، حيث ارتفعت أسعار الذهب في السوق المصرية مدفوعة بعاملين أساسيين؛ الأول: هو الزيادة العالمية في السعر، والثاني: هو الضغط المتجدد على الجنيه المصري؛ نتيجة مخاوف من ارتفاع فاتورة استيراد النفط وتأثيرها على الميزان التجاري وسعر الصرف، فالتجار والمستهلكون في مصر يتابعون مثل هذه الأحداث باهتمام شديد لأنها تؤثر مباشرة على الأسعار اليومية للذهب سواء في صورة جنيهات أو سبائك أو مشغولات ذهبية.

 

الإقبال المتفاوت على محلات الذهب

 

بالتوازي مع هذه الارتفاعات شهدت محال الذهب إقبالًا متفاوتًا حيث فضل البعض البيع لجني أرباح سريعة، بينما سارع آخرون إلى الشراء تحسبًا لموجة جديدة من الصعود خاصة في ظل غياب أي مؤشرات على التهدئة الإقليمية القريبة؛ مما يجعل الذهب خيارًا آمنًا حتى في ظل الأسعار المرتفعة نسبيًا. إن تأثير قرار البرلمان الإيراني لا يقتصر على الجانب السياسي فقط بل يمتد إلى أدوات الاستثمار والملاذات الآمنة، مثل الذهب الذي سيظل مرآة لحالة القلق والاضطراب في المنطقة، ومع كل تصعيد محتمل سيظل الذهب أول من يتلقى نبض الخوف من الأسواق ليترجم ذلك إلى صعود حاد في أسعاره عالميًا ومحليًا. ومن جانبهم، أكد عدد من أعضاء البرلمان الإيراني أن طهران قد تلجأ إلى إغلاق المضيق الاستراتيجي كرد فعل على ما وصفوه بالتصعيد الغربي والتدخلات المتزايدة في شؤون إيران الداخلية والإقليمية، وهو ما اعتُبر رسالة مباشرة إلى الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.

مضيق هرمز: شريان الطاقة العالمي

يمثل مضيق هرمز أحد أهم الممرات البحرية في العالم لتصدير النفط، حيث يمر عبره ما يقرب من خمس الإمدادات العالمية من النفط يوميًا، وبالتالي فإن أي تهديد بإغلاقه أو تقييد الملاحة فيه يُعد تهديدًا مباشرًا لأمن الطاقة العالمي، ويؤثر بشكل فوري على أسعار النفط والتجارة الدولية. وقد شهدت الأسواق بالفعل موجة من الترقب والحذر مع ارتفاع أسعار النفط تحسبًا لأي تطور مفاجئ في الموقف الإيراني. تصريحات البرلمان الإيراني لا تأتي بمعزل عن تصاعد التوترات العسكرية في المنطقة، وخاصة على خلفية الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران عبر وكلائها في المنطقة، وهو ما دفع طهران لاستخدام ورقة مضيق هرمز كورقة ضغط استراتيجية، وسبق لإيران أن هددت بإغلاق المضيق في أزمات سابقة، لكن الأمر لم يتجاوز حدود التهديد، غير أن الظروف الحالية تبدو أكثر خطورة مع تعدد جبهات التوتر وتشابك المصالح الدولية.

 

تأثير إغلاق مضيق هرمز على الاقتصاد العالمي

 

المضيق يعد أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حساسية استراتيجيًا فهو يربط بين الخليج العربي وبحر العرب وتحديدًا المحيط الهندي ويُمثل شريانًا حيويًا لحركة ناقلات النفط والتجارة العالمية؛ إذ تمر عبره قرابة 20% من إمدادات النفط العالمية أي ما يعادل نحو 17 مليون برميل يوميًا وبالتالي فإن أي إغلاق أو تهديد بإغلاقه يؤثر بشكل فوري وعميق على أسواق الطاقة الدولية وعلى منظومة التجارة العالمية بأكملها. إغلاق مضيق هرمز سواء كان كليًا أو جزئيًا يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط بسبب توقف الإمدادات أو تعطلها؛ مما يفرض ضغطًا كبيرًا على الدول المستوردة للنفط، وخاصة تلك التي تعتمد بشكل رئيسي على الخام القادم من الخليج.

 

كما يدفع شركات الشحن والتأمين إلى فرض رسوم إضافية لتغطية المخاطر المتزايدة؛ ما يرفع تكاليف الشحن ويؤثر بالتبعية على أسعار السلع والمواد الأولية عالميًا، ويؤدي إلى حالة من الارتباك في الأسواق المالية ويزيد من مخاوف التضخم في العديد من الاقتصادات النامية والمتقدمة. كما يتسبب الإغلاق في إرباك سلاسل الإمداد العالمية، خاصة أن العديد من الدول الكبرى مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية تعتمد بشكل كبير على نفط الخليج، وهو ما يدفعها للبحث عن بدائل في أسواق أخرى بأسعار أعلى أو تكاليف لوجستية مضاعفة؛ مما يزيد العبء على اقتصاداتها الصناعية والتجارية، أما من الناحية الجيوسياسية فإن هذا الإغلاق قد يُفجّر توترات إقليمية ودولية واسعة إذ أن حماية حرية الملاحة عبر المضيق تُعد أولوية قصوى للقوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

 

وفي ظل استمرار التوترات في المنطقة تصبح المخاوف أكثر تعقيدًا، ليس فقط على صعيد الطاقة بل أيضًا على التجارة الدولية التي تعتمد على أمن واستقرار هذا الممر الحيوي، فالمضيق لا يمر به النفط فقط بل أيضًا عدد ضخم من السفن التجارية التي تنقل السلع بين آسيا وأوروبا وأمريكا؛ مما يعني أن أي تعطيل سيؤثر على حركة البضائع العالمية ويخلق اختناقات كبرى في سلاسل التوريد. من هنا فإن تأثير إغلاق مضيق هرمز يتجاوز بكثير مجرد ارتفاع أسعار النفط بل يمتد ليشمل الاقتصاد العالمي بأسره ويزيد من هشاشة النظام التجاري الدولي، خاصة في ظل صراع القوى والنزاعات الإقليمية التي قد تستغل المضيق كورقة ضغط أو أداة في لعبة التوازنات الجيوسياسية.