الخرطوم، التي كانت ذات يوم نبض الحياة في السودان، تحولت اليوم إلى مدينة أشباح، يسكنها الخوف والظلام. العائدون إليها، بعد غياب قسري بسبب الصراع الدائر، يروون قصصًا مروعة عن واقع مرير يواجه السكان المتبقين. الظلام الدامس يخيم على معظم الأحياء، نتيجة لتوقف محطات الكهرباء ونقص الوقود اللازم لتشغيل المولدات. هذا الظلام ليس مجرد غياب للضوء، بل هو رمز لانعدام الأمان وتفاقم الأوضاع الإنسانية. في الليل، تتحول الشوارع إلى مسرح للجريمة، حيث تنشط عصابات النهب المسلح والسرقة، مستغلة غياب سلطة القانون وشلل الأجهزة الأمنية. يصف العائدون كيف أنهم اضطروا إلى التنقل في مجموعات صغيرة، حاملين أسلحة بيضاء للدفاع عن أنفسهم وعائلاتهم، في ظل غياب أي حماية رسمية.

تدهور الأوضاع الصحية وانتشار الأمراض

الأزمة الصحية في الخرطوم بلغت مستويات كارثية. المستشفيات، التي كانت تعاني بالفعل من نقص الإمدادات والأدوية قبل الصراع، أصبحت الآن شبه معطلة. نقص الأطباء والممرضين، الذين فروا بحثًا عن الأمان، فاقم الوضع سوءًا. الأمراض تنتشر بسرعة، خاصة بين الأطفال وكبار السن، بسبب نقص المياه النظيفة وسوء التغذية وتدهور الظروف الصحية العامة. يروي العائدون قصصًا مفجعة عن أشخاص يموتون بسبب أمراض بسيطة كان يمكن علاجها بسهولة في الظروف العادية. انتشار الأوبئة مثل الكوليرا وحمى الضنك يهدد بكارثة إنسانية أوسع، في ظل غياب القدرة على احتواء هذه الأمراض أو توفير العلاج اللازم للمصابين. المخاوف تتزايد من تفشي أمراض أخرى مثل الملاريا بسبب توقف حملات مكافحة البعوض.

الانفلات الأمني وتصاعد العنف

الانفلات الأمني هو السمة الأبرز للوضع الحالي في الخرطوم. غياب سلطة القانون سمح للجماعات المسلحة والعصابات الإجرامية بالسيطرة على الأحياء والشوارع. عمليات النهب والسرقة والاعتداءات المسلحة أصبحت شائعة، مما يجعل حياة السكان المتبقين جحيمًا لا يطاق. يصف العائدون كيف أنهم شاهدوا بأعينهم عمليات إعدام ميدانية وسرقة للممتلكات بالقوة، دون أن يتمكن أحد من التدخل أو تقديم المساعدة للضحايا. تصاعد العنف بين الفصائل المتناحرة يزيد الوضع تعقيدًا، حيث يتم تبادل إطلاق النار والقصف العشوائي في الأحياء السكنية، مما يعرض حياة المدنيين للخطر بشكل مستمر. الخوف والقلق يسيطران على السكان، الذين يعيشون في حالة ترقب دائم، خشية التعرض للعنف أو السرقة أو الموت.

قصص مروعة من قلب الخرطوم

القصص التي يرويها العائدون من الخرطوم تقشعر لها الأبدان. امرأة تروي كيف فقدت زوجها وابنها في تبادل لإطلاق النار بين فصيلين متناحرين. شاب يصف كيف تم اختطافه وتعذيبه من قبل عصابة مسلحة لعدة أيام قبل أن يتمكن من الفرار. طبيب يتحدث عن نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية، مما يضطره إلى اتخاذ قرارات صعبة بشأن من يعالج ومن يترك للموت. هذه القصص المروعة هي مجرد أمثلة قليلة على المعاناة التي يعيشها السكان المتبقون في الخرطوم. كل قصة تحمل في طياتها مأساة إنسانية عميقة، وتعكس حجم الدمار والخراب الذي حل بالمدينة. العائدون يحملون معهم هذه القصص، آملين أن يتمكنوا من تسليط الضوء على معاناة أهلهم وطلب المساعدة من المجتمع الدولي.

نداء استغاثة لإنقاذ الخرطوم

الوضع في الخرطوم يتطلب تدخلًا عاجلًا وفوريًا من المجتمع الدولي. المساعدات الإنسانية يجب أن تصل إلى المحتاجين في أسرع وقت ممكن، لإنقاذ الأرواح ومنع تفاقم الأزمة الصحية. يجب توفير الغذاء والدواء والمياه النظيفة للمتضررين، بالإضافة إلى الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين من العنف والصدمات. إعادة الأمن والاستقرار إلى المدينة هو أمر بالغ الأهمية، ويتطلب دعمًا دوليًا لجهود المصالحة وإعادة بناء المؤسسات الأمنية والقضائية. يجب محاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، لضمان عدم تكرار هذه المأساة. الخرطوم تحتاج إلى مساعدة عاجلة لكي تتمكن من التعافي من هذه الكارثة والعودة إلى الحياة الطبيعية. مستقبل المدينة ومستقبل شعبها يعتمد على استجابة المجتمع الدولي لهذا النداء.