مع تصاعد وتيرة القصف الصاروخي الباليستي والفرط صوتي الذي استهدف مدنًا إسرائيلية مثل تل أبيب وحيفا، بدأت تظهر بوادر هجرة عكسية واسعة النطاق. مشاهد المستوطنين الإسرائيليين وهم يحملون جوازات سفرهم الإسرائيلية وحقائبهم، وتعبيرات الأسى والصدمة بادية على وجوههم، أصبحت مألوفة في المطارات والموانئ. تقارير متعددة، بما في ذلك تلك التي نشرتها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تشير إلى أن الآلاف يحاولون مغادرة البلاد، باحثين عن ملاذ آمن في أوروبا وغيرها من الدول. هذا النزوح الجماعي، الذي وصفه البعض بـ "الهروب الكبير من إسرائيل"، يكشف عن حالة من الذعر وعدم الثقة في قدرة إسرائيل على توفير الأمن لمواطنيها.
شهادات من الداخل الإسرائيلي: "الأوضاع لا تُحتمل"
شهادات من داخل إسرائيل تؤكد حجم الأزمة. المستوطنة الإسرائيلية مايسة الرومي، على سبيل المثال، صرحت بأن الأوضاع في تل أبيب أصبحت "لا تُحتمل"، وأن النزوح هو "الحل الأخير" بعد العجز عن البقاء أسبوعًا آخر. هذه التصريحات تعكس يأسًا عميقًا وشعورًا بالعجز أمام تصاعد العنف وتدهور الأوضاع المعيشية. مقاطع الفيديو المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر مشاهد مماثلة، حيث يتدافع المستوطنون للوصول إلى المطارات والموانئ، في محاولة يائسة للهروب من جحيم الحرب. حتى السفارات الأوروبية بدأت في إجلاء المستوطنين مزدوجي الجنسية، مما يزيد من حدة الصورة القاتمة ويعكس حجم الخطر الذي يواجهه هؤلاء الأفراد.
"كلهم يهربون… لا أحد يؤمن بإسرائيل بعد الآن"
تحت هذا العنوان الصارخ، انتشرت مقاطع فيديو تظهر المستوطنين وهم يتركون حقائبهم ويسابقون بعضهم البعض للهروب من الدمار الذي حل بتل أبيب وحيفا. هذه المشاهد تعكس فقدانًا كاملاً للثقة في قدرة إسرائيل على حماية مواطنيها، وتؤكد أن الشعور بالأمان الذي لطالما تم الترويج له قد تبخر. صحيفة "هآرتس" كشفت عن رحلات هروب سرية تتم عبر يخوت وسفن من موانئ مختلفة إلى قبرص، بتكاليف باهظة، مما يدل على استعداد البعض لدفع مبالغ كبيرة مقابل الفرار من البلاد. هذه الرحلات السرية تشير إلى أن هناك شبكات منظمة تعمل على تسهيل عملية الهروب، وأن الطلب على هذه الخدمات في تزايد مستمر.
قيود على السفر ومحاولات لمنع الهجرة الجماعية
في محاولة يائسة للحد من الهجرة الجماعية، صرحت وزيرة المواصلات الإسرائيلية قائلة: "لن نسمح للإسرائيليين بالسفر للخارج". هذا القرار أثار غضبًا واسعًا في الأوساط الإسرائيلية، حيث اعتبره البعض انتهاكًا لحقوقهم الأساسية في حرية التنقل. ومع ذلك، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية مصممة على منع الهجرة الجماعية، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى انهيار معنوي واقتصادي. تم نشر فرق من الجنود على الحدود مع مصر لمنع هروب الإسرائيليين، مما يعكس حالة من الهلع والخوف من فقدان السيطرة على الوضع. هذه الإجراءات القمعية قد تزيد من حدة التوتر والاستياء داخل المجتمع الإسرائيلي، وقد تؤدي إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار.
"هآرتس" تكشف العلاقة الهشة بين المستوطنين وإسرائيل
صحيفة "هآرتس" ألقت الضوء على العلاقة الهشة بين المستوطنين وإسرائيل، وكشفت عن أن العديد من المستوطنين، وخاصة أولئك الذين يحملون جنسيات أخرى، لا يرون في إسرائيل وطنًا بالمعنى الحقيقي للكلمة، وأنهم على استعداد للمغادرة بمجرد أن يصبح الوضع غير آمن. هذه الهجرة المعاكسة تمثل تحديًا كبيرًا لإسرائيل، حيث أنها تقوض فكرة "التماسك الداخلي" و"الأمن الكامل" التي طالما روجت لها. المشهد التاريخي يتكرر بشكل معكوس، فبينما وصل المستوطنون اليهود إلى فلسطين عام 1948 عبر البحر، تشهد اليوم الموانئ الإسرائيلية مغادرة جماعية للإسرائيليين على متن يخوت خاصة نحو قبرص، باحثين عن حياة أفضل وأكثر أمانًا في مكان آخر. هذا التحول الدراماتيكي يعكس فشل إسرائيل في توفير الأمن والاستقرار لمواطنيها، ويثير تساؤلات حول مستقبل الدولة في ظل هذه الظروف المتغيرة.