بالتزامن مع حلول ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، ومع استمرار جموع المسلمين في أداء شعيرة ذبح الأضاحي، تتزايد الاستفسارات حول الموعد النهائي الذي يُسمح فيه شرعًا بذبح الأضحية.

 

وفي هذا السياق، حسمت دار الإفتاء المصرية الجدل، مؤكدةً أن آخر ميعاد لذبح الأضاحي يمتد حتى غروب شمس اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة، وهو ما يوافق آخر أيام التشريق.

 

ويستند هذا الرأي إلى مذهب عدد من الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين، وهو ما عليه الشافعية، وقول للحنابلة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ويستدلون على ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه ابن حبان عن جبير بن مطعم:  «كل أيام التشريق ذبح» وكذلك ما ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «أيام النحر يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده».

 

 

الأفضلية في الذبح وتوزيع الأضحية

 

وعلى الرغم من امتداد وقت الذبح، فقد أوضحت دار الإفتاء أن الأفضل هو التعجيل بالذبح قبل غروب شمس ثاني أيام التشريق، أي يوم الثاني عشر من ذي الحجة، وذلك للخروج من الخلاف الفقهي بين جمهور العلماء في هذه المسألة وفيما يتعلق بكيفية التعامل مع لحم الأضحية، يُستحب للمضحي أن يأكل منها، ويُطعم غيره، ويدّخر جزءًا منها، عملًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:  «كُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا».

 

ويُفضل تقسيمها إلى ثلاثة أثلاث: ثلث لأهل بيته، وثلث لفقراء جيرانه، وثلث يتصدق به على السائلين والمحتاجين، كما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما في وصفه لأضحية النبي صلى الله عليه وسلم.

 

ويجوز للمضحي التصدق بها كلها أو إبقاؤها كلها، إلا أن التصدق بها أفضل من ادخارها، ما لم يكن المضحي ذا عيال وحاجة، ففي هذه الحالة يكون توسيعه على عياله أولى، لقوله صلى الله عليه وسلم: «ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شىء فلأهلك، فإن فضل شىء عن أهلك فلذى قرابتك، فإن فضل عن ذى قرابتك شىء فهكذا وهكذا».

 

 

سنن وآداب الأضحية

 

ومن السنن المستحبة للمضحي أن يذبح أضحيته بنفسه إن كان قادرًا على ذلك، لأنها قربة إلى الله تعالى، ومباشرة القربة أفضل من تفويضها أو توكيل غيره بها وقد استثنى الشافعية من ذلك الأنثى والأعمى، فالأفضل في حقهما التوكيل. كما يُستحب للمضحي التسمية عند الذبح، فيقول: "بسم الله والله أكبر"، ويُحبذ أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.

 

ويُستحب له أيضًا الدعاء بقوله: "اللهم منك ولك، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين" ومن الآداب كذلك المبادرة بالتضحية والإسراع بها قبل غيرها من وظائف العيد وأيام التشريق، وأن يربط الأضحية قبل يوم النحر بأيام إظهارًا للرغبة في القربة، وأن يختار الأضحية السمينة تعظيمًا لشعائر الله، وإن كانت شاة فيُفضل أن تكون كبشًا أبيض عظيم القرن خصيًّا، لحديث أنس رضي الله عنه:  «أنه صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين موجوءين».

 

 

مكروهات متعلقة بالأضحية وحكم التوكيل

 

وفي المقابل، هناك بعض الأمور التي يكره فعلها فيما يتعلق بالأضحية. فيكره للمضحي التضحية في الليل لغير حاجة ماسة، كما يُكره التصرف في الأضحية بما قد يعود عليها بضرر في لحمها أو جسمها، خاصة إذا كانت معينة أو منذورة، مثل ركوبها، أو شرب لبنها بشكل يؤثر فيها، أو جزّ صوفها بما يضر بها، أو سلخها قبل أن تفارقها الروح تمامًا ومن المكروهات أيضًا إعطاء الجازر (القصاب) أجرته من الأضحية، وذلك لحديث علي رضي الله عنه قال:  «أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدنة وأقسم جلودها وجِلالها، وأمرنى ألا أعطى الجزار منها شيئا، وقال: نحن نعطيه من عندنا».

 

ويجوز توكيل الغير، سواء كان جزارًا أو غيره، في ذبح الأضحية، ويستدل الفقهاء على ذلك بالحديث المرفوع: «يا فاطمة، قومى إلى أضحيتك فاشهديها»، وإن كان في سنده ضعف، إلا أن الفقهاء اتفقوا على صحة العمل بمضمونه وإن كان الذابح الوكيل كتابيًا، صح الذبح عند الجمهور مع الكراهة، ويبقى الأفضل دائمًا أن يذبح المضحي بنفسه إن استطاع.

 

 

 

وتأتي هذه التوضيحات من دار الإفتاء في إطار حرصها على تبصير المسلمين بأحكام دينهم، وتيسير أداء العبادات على الوجه الأكمل، خاصة فيما يتعلق بشعيرة الأضحية التي تُعد من أعظم القربات إلى الله تعالى في هذه الأيام المباركة، والتي يتجلى فيها معنى التضحية والفداء، وتعم من خلالها قيم التكافل والتراحم بين أفراد المجتمع المسلم.