الأضحية شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، يتقرب بها المسلمون إلى الله تعالى في عيد الأضحى المبارك، إحياءً لسنة أبينا إبراهيم عليه السلام. ولكي تكون الأضحية صحيحة ومقبولة شرعاً، وتؤدي الغاية المرجوة منها في التقرب إلى الله ونيل الأجر، لا بد من توافر شروط محددة يجب على المضحي الالتزام بها بدقة. أول هذه الشروط أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم (الضأن والماعز)، فلا يجزئ غيرها. كما يشترط بلوغها السن المعتبرة شرعاً، وهي الجذع من الضأن (ما أتم ستة أشهر ودخل في السابع)، والثني من المعز (ما أتم سنة ودخل في الثانية)، والثني من البقر (ما أتم سنتين ودخل في الثالثة)، والثني من الإبل (ما أتم خمس سنوات ودخل في السادسة). ومن أهم الشروط سلامتها من العيوب المانعة من الإجزاء، وهي أربعة عيوب رئيسية: العوراء البيّن عَوَرُها، والمريضة البيّن مرضها، والعرجاء البيّن ظَلْعُها، والهزيلة التي لا تُنْقِي (أي ليس في عظامها مخ). ويجب أن تكون الأضحية مملوكة للمضحي ملكاً تاماً، أو مأذوناً له فيها شرعاً وقت الذبح. وأخيراً، يجب أن يتم الذبح في الوقت المحدد شرعاً، والذي يبدأ من بعد صلاة عيد الأضحى يوم النحر (العاشر من ذي الحجة) ويمتد إلى غروب شمس آخر أيام التشريق (اليوم الثالث عشر من ذي الحجة).
الفرق بين أنواع الأضاحي (الغنم، البقر، الإبل)
تتنوع بهيمة الأنعام التي يجوز التضحية بها، ولكل نوع خصائصه وأحكامه التي تميزه، مما يوفر للمضحي خيارات تتناسب مع قدرته وحاجته. الأفضل من حيث الجنس هو الإبل، ثم البقر، ثم الغنم (الضأن ثم الماعز)، هذا إذا تساوت في السلامة من العيوب وكثرة اللحم والقيمة، فالأجر يزداد مع زيادة قيمة الأضحية ونفعها. ويختار المضحي ما يراه أنسب له، مع استحضار نية التقرب إلى الله تعالى وتحقيق مقاصد هذه الشعيرة العظيمة، فالمهم هو الإخلاص والتقوى.
فأما الغنم، سواء كانت من الضأن أو الماعز، فتجزئ الشاة الواحدة عن الرجل وأهل بيته، مهما كثر عددهم، وهذا من تيسير الله تعالى على عباده. ويشترط في الضأن أن يكون جذعاً (أتم ستة أشهر فأكثر)، وفي الماعز أن يكون ثنياً (أتم سنة فأكثر). وأما البقر والإبل، فيجزئ كل واحد منهما عن سبعة أشخاص يشتركون في أضحيته، سواء كانوا من أهل بيت واحد أو من بيوت متفرقة، ويستحب أن يكونوا من المضَحِّين. ويشترط في البقر أن تكون ثنية (أتمت سنتين)، وفي الإبل أن تكون ثنية (أتمت خمس سنوات). ويعتبر الاشتراك في البقر أو الإبل خياراً جيداً لمن لا يستطيع التضحية بشاة كاملة بمفرده أو يرغب في أجر أكبر مع مجموعة.
خطوات ذبح الأضحية وتوزيعها بشكل صحيح
لذبح الأضحية آداب وسنن نبوية ينبغي مراعاتها، لما في ذلك من الإحسان إلى الذبيحة وتعظيم شعائر الله. تبدأ هذه الآداب باستقبال القبلة عند الذبح، والتسمية والتكبير بقول "بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، هذه عني وعن أهل بيتي" أو ما شابه. ومن الإحسان إلى الذبيحة أن تُحدَّ الشفرة (السكين) بعيداً عن نظرها، وألا تُذبح بحضرة بهيمة أخرى، وأن تُضجع على شقها الأيسر برفق. يتم ذبح الغنم والبقر بقطع الحلقوم (مجرى النفس) والمريء (مجرى الطعام والشراب) والودجين (العرقان الكبيران المحيطان بالحلقوم)، أما الإبل فتنحر بطعنها في لبتها، وهي الوهدة التي بين أسفل العنق والصدر. ويُترك الحيوان حتى تخرج روحه تماماً ويسكن اضطرابه قبل البدء في سلخه وتقطيعه.
أما توزيع لحم الأضحية، فالأفضل والمستحب أن يقسمه المضحي أثلاثاً: ثلث يأكله هو وأهل بيته، وثلث يهديه لأقاربه وأصدقائه وجيرانه الأغنياء منهم والفقراء، وثلث يتصدق به على الفقراء والمحتاجين. هذه القسمة تحقق مقاصد الأضحية المتعددة من التوسعة على النفس والأهل، وصلة الرحم وتقوية الروابط الاجتماعية، ومواساة الفقراء وإدخال السرور عليهم في يوم العيد. ويجوز للمضحي أن يأكلها كلها أو يتصدق بها كلها أو يهديها كلها، فالأمر فيه سعة، ولكن التقسيم المذكور هو الأكمل والأفضل. ويحرم على المضحي بيع أي جزء من الأضحية، سواء اللحم أو الجلد أو الشحم أو غير ذلك، بل يتصدق به أو ينتفع به في بيته.
نصائح لحفظ لحم الأضحية وتخزينه
يعد التعامل السليم مع لحم الأضحية بعد الذبح مباشرة أمراً ضرورياً لضمان جودته وسلامته من الفساد، والحفاظ عليه صالحاً للاستهلاك لأطول فترة ممكنة. ينصح بترك اللحم في مكان نظيف وجيد التهوية وبارد نسبياً لمدة كافية، قد تصل إلى عدة ساعات، حتى يبرد تماماً وتزول عنه حرارة الذبح قبل البدء في تقطيعه وتعبئته وتخزينه. هذه الخطوة، المعروفة بـ "تشمع اللحم"، تساعد على تماسكه وتسهيل تقطيعه وتمنع نمو البكتيريا. يجب تجنب تكديس قطع اللحم فوق بعضها وهي لا تزال ساخنة، والحرص على النظافة التامة للأيدي والأدوات والأسطح المستخدمة في التقطيع والتجهيز.
بعد أن يبرد اللحم بشكل جيد، يتم تقطيعه إلى أجزاء مناسبة حسب الرغبة وحجم الأسرة وطريقة الطهي المعتادة لكل جزء (مثل قطع للشواء، وأخرى للطبخ، ولحم مفروم إن أمكن). يمكن حفظ اللحم الطازج في الثلاجة (البراد) لمدة تتراوح بين يومين إلى أربعة أيام إذا كان سيُستهلك قريباً، مع وضعه في أوعية محكمة الإغلاق أو لفه جيداً بنايلون التغليف لمنع جفافه أو انتشار رائحته. أما للتخزين طويل الأمد، فيفضل التجميد في المجمد (الفريزر)؛ حيث يوضع اللحم في أكياس أو عبوات مخصصة للتجميد مع محاولة تفريغ الهواء قدر الإمكان، وتدوين نوع القطعة وتاريخ التجميد عليها. ويمكن أن يبقى اللحم صالحاً لعدة أشهر في المجمد عند درجة حرارة -18 درجة مئوية أو أقل، مع الحفاظ على قيمته الغذائية بشكل كبير.