خرج من مدينة لويزفيل في ولاية كنتاكي الأمريكية شاب أسود يدعى كاسيوس مارسيلوس كلاي جونيور، لم يكن يدري أن مصير دراجته المسروقة سيكون بداية لرحلة أسطورية نحو المجد حينها قرر تعلم الملاكمة، لا لاستعادتها، بل ليمنع الظلم من الوصول إليه مرة أخرى، ومع مرور الوقت تحول من هاوٍ إلى نجم ساطع في سماء الرياضة، إذ حقق مئة انتصار مقابل خمس هزائم فقط في مسيرته قبل أن يحصد الميدالية الذهبية في أولمبياد روما عام 1960، لكن رغم هذا الإنجاز، ظل يُعامل كمواطن من الدرجة الثانية بسبب لون بشرته، ما دفعه إلى إلقاء ميداليته في نهر أوهايو احتجاجًا على العنصرية.

 

بدأ مسيرته الاحترافية في أكتوبر من نفس العام بفوز لافت على توني هونيكر، كاسرًا كل القواعد التقليدية في الملاكمة، فقد خفض يديه وتحرك برشاقة نادرة، وهو ما جذب انتباه المدرب الشهير أنجيلو دندي الذي قرر تدريبه على الحلبة كان علي يرقص كما يرقص الباليه، ورغم مخالفة أسلوبه للمعايير، إلا أن عبقريته فرضت نفسها.

 

عام 1964 وبعد فوزه ببطولة العالم لأول مرة، اعتنق الإسلام وأعلن تغيير اسمه إلى محمد علي، متأثرًا بصديقه المناضل مالكوم إكس، واجه موجة من العداء الإعلامي والعنصري بسبب قراره، حتى إن لجنة الملاكمة هددت بسحب لقبه لأنه أصبح لا يحمل اسم كاسيوس، وبعد اغتيال مالكوم إكس عام 1965، واصل علي طريقه بعزيمة وإيمان.

 

وفي خضم حرب فيتنام، رفض الانضمام للجيش الأمريكي وقال عبارته الشهيرة لا أريد قتل الأبرياء أريد السلام، فتم تجريده من ألقابه وحُكم عليه بالسجن وغُرّم عشرة آلاف دولار، كما مُنع من ممارسة الملاكمة ثلاث سنوات ونصف لكنه لم ينكسر، بل أصبح رمزًا للشباب الرافض للحرب والتمييز، وجاب الجامعات يلقي الخطب ويشعل الحماس، وفي عام 1971 ألغت المحكمة العليا الحكم ضده فعاد إلى الحلبة.

 

واجه جو فريزر في مباراة القرن وخسر لأول مرة، ثم خسر مجددًا أمام كين نورتون لكنه عاد وهزمه، وكانت المعركة الحاسمة في زائير ضد جورج فورمان، حيث توقع الجميع سقوطه، لكنه صمد واستدرجه ببراعة حتى الجولة الثامنة ثم هزمه بالضربة القاضية واستعاد لقبه وكرامته.

 

اعتزل الملاكمة عام 1981 بعد سجل احترافي بلغ 56 فوزًا وخمس هزائم، وواصل نضاله السلمي معتزًا بدينه، رافضًا أن يوضع اسمه على نجمة مشاهير هوليوود على الأرض احترامًا لاسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فكانت نجمته الوحيدة المثبتة على الجدار.

 

زار بلادًا عديدة أبرزها مصر حيث التقى جمال عبد الناصر وصلى بمساجدها وزار الأهرامات والسد العالي، كما زار السعودية والعراق والمغرب والبوسنة وحظي بتقدير الزعماء.

رحل محمد علي في 3 يونيو 2016 عن عمر 74 عامًا بعد صراع طويل مع مرض باركنسون، لكنه بقي خالدًا في الذاكرة، ليس فقط كملاكم بل كبطل قاوم العنصرية والظلم ورفع راية الكرامة والحق في زمن كان فيه ذلك أشبه بالمستحيل.