يبدأ ضيوف الرحمن يوم غدٍ الأربعاء الموافق الثامن من شهر ذي الحجة 1446هـ، أولى خطواتهم العملية لأداء مناسك الحج، وذلك بالتوجه إلى صعيد منى لقضاء يوم التروية، اقتداءً بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ويحرم الحجاج من أماكنهم في مكة، على اختلاف نسكهم، سواء كانوا متمتعين أو قارنين أو مفردين، استعدادًا لبقية المناسك العظيمة التي تكتمل بيوم عرفة وما بعده.
ما هو يوم التروية؟ ولماذا سُمي بهذا الاسم؟
يوم التروية هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وقد اختلف العلماء في سبب تسميته فهناك من يرى أن التسمية جاءت لأن الحجاج كانوا "يتروّون" فيه من الماء استعدادًا ليوم عرفة الذي لا يتوفر فيه الماء، فكانوا يحملون معهم ما يكفيهم من المياه إلى عرفات ومنى.
ورأي آخر أشار إليه الإمام العيني، يرى أن الاسم مستمد من تروي النبي إبراهيم عليه السلام، الذي رأى في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل، وقضى يومه مترددًا ومترويًا هل هو وحي من الله أم من الشيطان، ولذلك سمي اليوم بيوم التروية.
أعمال الحاج في يوم التروية
في هذا اليوم، تُستأنف مناسك الحج، وتبدأ مرحلة المشاعر الكبرى. وهناك ستة أعمال رئيسية يقوم بها الحاج في هذا اليوم:
الإحرام من مكة للمتمتعين
- من السنة أن يُحرم الحاج في هذا اليوم بالحج إذا كان قد أدى العمرة قبلها، كما هو الحال مع المتمتعين، أو مَن فسخوا إحرامهم إلى عمرة. أما القارن والمفرد فلا يحتاجان لإحرام جديد.
2. الاغتسال والتطيب قبل الإحرام
يُستحب للحاج أن يغتسل ويتنظف ويتطيب قبل أن يُحرم بالحج، تمامًا كما فعل في الميقات، وهي سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
3. النية والتلبية
ينوي الحاج بقلبه أداء الحج، ويبدأ بالتلبية قائلًا: "لبيك اللهم حجًا"، ثم يواصل بالتلبية المعروفة: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك."؛ وإذا كان الحاج يخشى من عدم القدرة على إتمام النسك لأي سبب طارئ، فله أن يُشترط عند الإحرام: "فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني".
4. التوجه إلى منى ضحى اليوم الثامن
بعد الإحرام، يتوجه الحجاج إلى منى في وقت الضحى، ويستحب الإكثار من التلبية خلال الطريق وحتى الوصول.
5. الصلاة بمنى قصرًا دون جمع
في منى، يُصلي الحاج الظهر والعصر والعشاء قصرًا من دون جمع، أما المغرب والفجر فيُصليهما تامّين ويُستثنى من ذلك أهل مكة، الذين يقصرون الصلاة أيضًا لاقتداء النبي صلى الله عليه وسلم بهم، حيث لم يأمرهم بالإتمام رغم كونهم مقيمين.
6. المبيت في منى ليلة عرفة
من السنة أن يبيت الحاج في منى ليلة التاسع من ذي الحجة، وهي ليلة عرفة. فإذا صلى فجر يوم عرفة، يبقى حتى تطلع الشمس، ثم ينطلق إلى عرفات ملبّيًا أو مكبرًا.
وقد أُثِر عن الصحابة أنهم كانوا يلَبّون ويكبّرون، ولم يُنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الأفضل هو ملازمة التلبية لأنها كانت ديدنه حتى رمى جمرة العقبة.
هل يجوز الذهاب مباشرة من مكة إلى عرفات دون المبيت في منى؟
أكد الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أنه لا حرج شرعي على من انتقل مباشرة من مكة إلى عرفات دون أن يبيت في منى ليلة التاسع. وأوضح أن مثل هذا التيسير يندرج تحت منهج النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بُني على رفع المشقة ومراعاة أحوال الناس وظروفهم.
وأشار إلى أن الحج فيه درجات:
- الركن: لا يُجبر ولا يُعوض.
- الواجب: يُجبر بدم عند تركه.
- السُّنة: لا شيء على تاركها، خصوصًا إذا وُجد عذر.
وبالتالي، فإن عدم المبيت في منى ليلة عرفة لا يُنقص من أجر الحاج، ولا يُلزم بدم، طالما أن الأمر تم لسبب مقبول مثل الزحام أو ظروف تنظيمية.
يعد يوم التروية نقطة الانطلاق الحقيقية لمناسك الحج، ويمثل بداية الدخول إلى المشاعر المقدسة. وهو يوم مليء بالروحانية والتحضير المعنوي والجسدي لاستقبال يوم عرفة، وهو ركن الحج الأعظم فبالتوجه إلى منى، وبالاغتسال والإحرام والتلبية، يُعلن الحاج استعداده للتفرغ الكامل لعبادة الله في أعظم أيام العام.
ومع كل هذه السنن والأعمال، لا بد أن يتذكر الحاج أن التيسير في العبادة مقصد شرعي، وأن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يكون فقط في الأفعال، بل في النية والروح والخلق والتسامح.