في صباح حزين لفناني مصر ومحبي المسرح والدراما، غيب الموت اليوم الفنانة الكبيرة سميحة أيوب عن عمر ناهز 93 عامًا، بعد مسيرة فنية استمرت لأكثر من سبعة عقود، شكلت خلالها علامة مضيئة في تاريخ الفن المصري والعربي.

 

رحيل سيدة المسرح العربي.. وداعًا للفنانة القديرة سميحة أيوب

وُلدت سميحة أيوب في حي شبرا العريق بالقاهرة، في بيئة شعبية أثرت في تكوينها الثقافي والإنساني، وقد حملت تلك الروح دائمًا في أعمالها الفنية بعد إنهاء دراستها الثانوية، التحقت بـ المعهد العالي للفنون المسرحية وتخرجت فيه عام 1953، وتتلمذت على يد أحد رواد المسرح المصري، الفنان زكي طليمات، الذي كان له دور كبير في صقل موهبتها وتوجيهها نحو الاحتراف الحقيقي في عالم المسرح.

 

مسيرة مسرحية لا تُنسى

اعتُبرت سميحة أيوب صاحبة أطول مسيرة فنية في مصر، حيث لم تتوقف عن العمل المسرحي لما يزيد عن 70 عامًا، وشاركت في أكثر من 170 عملًا مسرحيًا، أبرزها:

  • رابعة العدوية
  • سكة السلامة
  • دماء على أستار الكعبة
  • أغا ممنون
  • دائرة الطباشير القوقازية

لم تكن مجرد ممثلة، بل كانت رمزًا للالتزام والانضباط الفني، وهو ما جعلها تحصد عن جدارة لقب "سيدة المسرح العربي"، وهو لقب لم يكن مجاملة بقدر ما كان تقديرًا لمكانة استثنائية.

 

حضور سينمائي وتلفزيوني مميز

رغم أن المسرح كان عالمها الأول والأقرب إلى قلبها، إلا أن سميحة أيوب تركت بصمة واضحة في السينما والتلفزيون أيضًا، حيث قدمت مجموعة من الأفلام المتميزة منها:

  • أرض النفاق
  • فجر الإسلام
  • مع السعادة
  • بين الأطلال

أما على الشاشة الصغيرة، فقد عرفها جمهور البيوت العربية من خلال مسلسلات لا تزال خالدة في الذاكرة، مثل:

 

  • الضوء الشارد
  • أوان الورد
  • أميرة في عابدين
  • المصراوية

اختياراتها في التليفزيون كانت دائمًا مدروسة، توازن فيها بين العمق الاجتماعي والبُعد الإنساني، مما جعل ظهورها دائمًا محمّلًا بالمعنى والثقل الفني.

 

التكريم والاعتراف الرسمي

لم يكن عطاؤها الفني ليمر دون أن يُكرم على أعلى المستويات. فقد حصلت سميحة أيوب على عدة جوائز وتكريمات رئاسية، وكرّمت في أكثر من مهرجان محلي وعربي، بل وحملت بعض دور العرض المسرحية اسمها، في إشارة رمزية لمكانتها الرفيعة.

 

كذلك، كانت سميحة من القلائل الذين حازوا على ثقة الدولة لتولي مناصب قيادية في إدارة المسرح المصري، حيث شغلت منصب مديرة المسرح القومي، وقدمت خلال تلك الفترة دعمًا حقيقيًا للمسرحيين الشباب وأعادت الحياة لكثير من الفرق المسرحية.

 

الرحيل.. ونهاية فصل من تاريخ الفن

رحيل سميحة أيوب لا يمثل فقط فقدان شخصية فنية مرموقة، بل هو أيضًا نهاية حقبة كاملة من تاريخ المسرح العربي برحيلها، يغيب أحد آخر أعمدة الجيل الذهبي الذي نشأ على القيم الفنية الأصيلة، وكرّس فنه لقضايا الإنسان والمجتمع دون ضجيج إعلامي أو بحث عن شهرة زائفة.

 

في زمن تسوده السرعة، كانت سميحة أيوب رمزًا للثبات والعمق، فنانة بحجم أمة، وأيقونة للمرأة المثقفة الصلبة، التي لم تكتفِ بالتمثيل، بل مارست دورًا تربويًا وثقافيًا غاية في الأهمية.