يعيش سوق الذهب العالمي حالة من التأرجح الواضح، نتيجة لتقلبات الاقتصاد العالمي وتزايد التوترات الجيوسياسية، وهو ما انعكس بشكل مباشر على أسعار الذهب في قطر فبينما ينظر إليه الكثيرون كمخزون للقيمة وملاذ آمن في أوقات الأزمات، يجد البعض فيه ملاذًا للاستثمار، في حين يظل خيارًا تقليديًا ورائجًا للزينة والمناسبات الاجتماعية، خاصة بين المقبلين على الزواج هذا التفاعل المزدوج بين العوامل الدولية والمحلية، يجعل من الذهب سلعة استراتيجية تستحق الرصد والتحليل المستمر.

 

الذهب في قطر: بين تقلبات الأسواق العالمية وتزايد الإقبال المحلي

بحسب البيانات الأخيرة الواردة من السوق القطري، سجلت أسعار الذهب تفاوتات تعكس بدقة حالة التذبذب العالمي عيار 24 قيراطًا، وهو الأعلى من حيث النقاء، سجل 392.50 ريال قطري للغرام، في حين بلغ سعر عيار 22 قيراطًا 360.00 ريال أما عيار 21، الأكثر تداولًا في منطقة الخليج، فقد بلغ 343.50 ريال، فيما سجل عيار 18 سعر 294.50 ريال أما العيارات الأدنى، مثل عيار 14 و12، فقد بلغا 229.00 و196.25 ريال على التوالي.

 

وعلى صعيد الأوزان الأكبر، وصلت الأونصة الذهبية إلى 12,212.00 ريال، بينما بلغ سعر الجنيه الذهب 2,748.25 ريال قطري أما على المستوى العالمي، فسجلت الأونصة سعر 3,355.63 دولار أمريكي، ما يعكس ارتفاعًا لافتًا خلال الأيام الماضية.

 

التوترات الجيوسياسية: وقود جديد لأسعار الذهب

شهدت الأسواق العالمية تصعيدًا ملحوظًا في التوترات بين روسيا وأوكرانيا، خاصة قبل الجولة الثانية من محادثات السلام في إسطنبول ووفقا لتقارير دولية، شنت أوكرانيا واحدة من أكبر الهجمات على الأراضي الروسية منذ بداية الحرب، بينما ردت موسكو بهجمات بطائرات مسيّرة خلال الليل هذا التصعيد العسكري لم يكن بلا تأثير، حيث انعكس على الفور في ارتفاع أسعار الذهب، مع تنامي المخاوف بين المستثمرين، الذين يلجأون إلى الذهب في الأزمات باعتباره ملاذًا آمنًا.

 

الطلب المتزايد على الذهب في مثل هذه الفترات ليس بالأمر الجديد، إذ يعتبر الذهب تقليديًا أداة تحوط في وجه الأزمات السياسية والاقتصادية، وهذا ما تجدد حضوره في ظل هذه التطورات.

 

ضعف الثقة في سندات الخزانة الأمريكية يدعم الذهب

إلى جانب التوترات الجيوسياسية، تواجه الأسواق المالية تحديات أخرى تتعلق بثقة المستثمرين في أدوات الدين الأمريكية فقد أظهرت المؤشرات تراجعًا ملحوظًا في الإقبال على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 20 عامًا، وهو ما يُعزى إلى تصاعد المخاوف بشأن تزايد ديون الحكومة الأمريكية وارتفاع أسعار الفائدة.

 

هذا الضعف في جاذبية السندات، يقابله ميل متزايد نحو الذهب، الذي يعد أكثر أمانًا في فترات الغموض الاقتصادي وقد دفع ذلك بأسعار الذهب إلى تسجيل مستويات قياسية في بعض الأسواق، كما أدى إلى تنشيط حركة الشراء في الأسواق المحلية مثل قطر.

 

الذهب في السوق القطري: بين الاستثمار والزينة

رغم أن العوامل الدولية تهيمن على مشهد الأسعار، فإن السوق المحلي القطري يحتفظ بخصوصيته من حيث طبيعة الطلب فهناك شريحة لا يُستهان بها من المواطنين والمقيمين يتجهون لشراء الذهب بغرض الاستثمار طويل الأجل، خاصة في فترات عدم الاستقرار وفي الوقت ذاته، يبقى الذهب عنصرًا رئيسيًا في المناسبات الاجتماعية، وعلى رأسها حفلات الزواج والمهر، حيث يُنظر إليه ليس فقط كزينة، بل كرمز للثروة والمكانة الاجتماعية.

 

وتشير بعض محلات الذهب في قطر إلى أن الارتفاعات الأخيرة لم تثنِ المقبلين على الزواج عن الشراء، وإن كانت قد دفعت البعض إلى اختيار عيارات أقل مثل 18 قيراطًا بدلاً من 21، وذلك لتخفيف التكاليف مع الحفاظ على الجماليات المطلوبة.

 

التحليلات المستقبلية: هل تستمر موجة الصعود؟

العديد من المحللين الاقتصاديين يتوقعون استمرار تقلبات الذهب خلال الأسابيع المقبلة، خصوصًا في حال استمرت التوترات في أوروبا الشرقية، وواصلت أسعار الفائدة العالمية مسارها الصعودي كما أن نتائج الانتخابات في بعض الدول الكبرى والتقلبات في سوق العملات المشفرة قد تضيف عناصر جديدة إلى المشهد.

 

ورغم أن الأسعار قد تشهد تراجعات مؤقتة، فإن الاتجاه العام يظل صعوديًا على المدى المتوسط، لا سيما في ظل الاضطرابات المالية العالمية وهذا ما يجعل من الذهب خيارًا استراتيجيًا سواء للمستثمرين المحترفين أو الأفراد الباحثين عن حماية مدخراتهم.