شهدت محافظة الإسكندرية، شمال مصر، عاصفة جوية مفاجئة ليل الجمعة والسبت، أثارت مخاوف المواطنين، وأعادت إلى الواجهة الجدل حول أثر التغير المناخي وارتفاع منسوب سطح البحر، الذي لطالما تم التحذير منه في تقارير علمية دولية ومصرية.

 

عاصفة الإسكندرية: تحذير جديد من التغير المناخي أم ظاهرة استثنائية؟

 

العاصفة، التي استمرت لوقت قصير، تسببت في خسائر مادية كبيرة، ما دعا السلطات إلى رفع حالة التأهب والاستعداد القصوى، وتفعيل خطط الطوارئ، خاصة في المنشآت الصحية.

 

تفاصيل العاصفة وآثارها الفورية

وفقًا لتصريحات إيمان شاكر، مدير مركز الاستشعار عن بعد بالهيئة العامة للأرصاد الجوية في مصر، فقد تم إطلاق تحذيرات مسبقة من سقوط أمطار رعدية خفيفة إلى متوسطة، تشمل مناطق الساحل الشمالي الغربي مثل مرسى مطروح والإسكندرية، وتم إبلاغ الجهات المعنية قبل حدوث العاصفة.

 

وبحسب رصد الهيئة، بدأت الأمطار في الهطول على الإسكندرية في تمام الثانية صباحًا، واستمرت لنحو 30 إلى 45 دقيقة، إلا أن حدتها وتنوع شدتها ما بين الخفيفة والمتوسطة والغزيرة، أدت إلى أضرار مادية ملحوظة.

 

وسُجلت سرعة الرياح الهابطة المصاحبة للعاصفة ما بين 60 إلى 70 كيلومترًا في الساعة، ما تسبب في سقوط شرفات متهالكة، وأعمدة إنارة، ولوحات إعلانية، فضلًا عن أضرار في عدد من السيارات والمرافق العامة.

 

ربط الظواهر الجوية بالتغير المناخي

اللافت في هذه العاصفة، أنها وقعت في شهر مايو، أي قرب نهاية فصل الربيع وبداية فصل الصيف، وهو ما اعتبرته الأرصاد الجوية مؤشرًا غير معتاد.

 

وأوضحت إيمان شاكر أن الظاهرة ترتبط بارتفاع درجات الحرارة وزيادة التسخين في الطبقات السفلى من الغلاف الجوي، مما يزيد من حدة السحب الرعدية وسقوط حبات البرد.

 

ورغم أن العاصفة انتهت صباح السبت، أشارت الهيئة إلى احتمال تجدد الأمطار خلال الساعات التالية على الإسكندرية ومحافظات البحيرة وكفر الشيخ، لكنها ستكون أقل شدة، وفقًا للتوقعات.

 

وفي السياق ذاته، أشارت شاكر إلى أن التغير المناخي ساهم في ازدياد عنف الظواهر الجوية، مبينةً أن "نصف ساعة فقط من الأمطار تسببت في خسائر مادية كبيرة"، وهو ما يعكس قدرة التغيرات المناخية على إحداث آثار ملموسة خلال فترة زمنية قصيرة.

 

التغير المناخي ومخاوف غرق الشواطئ

الحديث عن غرق مدينة الإسكندرية ليس جديدًا، بل يتكرر منذ سنوات في أوساط علمية وبيئية، إلا أن ما زاد المخاوف هو توقيت العاصفة الأخيرة وتزامنها مع دراسات حديثة تربط بين ارتفاع منسوب سطح البحر وانهيار المباني على طول ساحل المدينة.

 

وفي دراسة نشرت في فبراير الماضي في مجلة "إرث فيوتشر"، بتمويل من وكالة ناسا وجامعة كاليفورنيا، بمشاركة باحثين من مصر وألمانيا وهولندا والولايات المتحدة، تم توثيق أكثر من 280 حالة انهيار مبانٍ على شواطئ الإسكندرية خلال العقدين الماضيين.

 

وربطت الدراسة هذه الظاهرة بتراجع خط الساحل، واختلال توازن الرواسب نتيجة التوسع العمراني، إلى جانب ارتفاع منسوب مياه البحر وتسربها إلى المياه الجوفية، مما يؤدي إلى تآكل أساسات المباني.

 

وبينت الدراسة أن استمرار هذا التآكل قد يؤدي إلى تسارع وتيرة الانهيارات، خاصة في المناطق المنخفضة من المدينة، ما يعزز من سيناريوهات الخطر في ظل ارتفاع درجات الحرارة العالمي.

 

موقف الأرصاد: لا علاقة مباشرة بين العاصفة وارتفاع البحر

رغم هذه الدراسات المثيرة للقلق، أكدت الهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية، عبر إيمان شاكر، أن ما حدث من عاصفة في الإسكندرية لا علاقة له مباشرة بتقارير ارتفاع منسوب سطح البحر أو توقعات غرق الشواطئ، موضحة أن هذه التقارير تتعلق بأحداث مستقبلية قد تبدأ في الظهور بوضوح بعد عام 2050، مع ارتفاع حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية.

 

وأكدت أن التغير المناخي بالفعل يُسهم في تكرار الظواهر الجوية العنيفة، لكنه لا يعني بالضرورة أن كل حدث جوي مرتبط مباشرة بظاهرة ارتفاع منسوب البحار.

 

استعدادات رسمية واستجابة فورية

استجابةً للأحداث، وجهت وزارة الصحة المصرية برفع حالة التأهب القصوى في محافظة الإسكندرية، وتم تفعيل خطط الطوارئ تحسبًا لأي تطورات في الحالة الجوية، مع التأكيد على جاهزية المستشفيات وغرف الطوارئ.

 

من جهة أخرى، تواصلت غرف الأزمات في المحافظة مع شركة مياه الشرب والصرف الصحي، وغرفة إدارة الكوارث بمجلس الوزراء، لضمان التعامل الفوري مع أي تجمعات مياه أو أضرار محتملة.

 

تحديات قادمة لمدينة ساحلية كبرى

تعكس هذه الواقعة التحديات المتزايدة التي تواجهها المدن الساحلية الكبرى، في مواجهة تداعيات التغير المناخي، وتضع الإسكندرية باعتبارها من أقدم وأكبر مدن البحر المتوسط في دائرة الاهتمام المحلي والدولي.

 

وفي ظل استمرار التطورات المناخية العالمية، أصبحت الحاجة ملحة إلى وضع استراتيجيات وقائية، تتضمن تعزيز البنية التحتية، وتحديث نظم الإنذار المبكر، والتوسع في دراسات رصد التربة والمياه الجوفية، للحفاظ على المدينة من مخاطر بيئية قد تتفاقم مستقبلًا.

 

عاصفة الإسكندرية الأخيرة، وإن كانت قصيرة في مدتها، إلا أنها كشفت هشاشة بعض البنى التحتية، ووضعت الجهات المختصة أمام تحديات حقيقية للتعامل مع أحداث مناخية غير معتادة.

 

وبينما لا يزال الجدل قائمًا حول مدى ارتباط هذه الظواهر المباشرة بالتغير المناخي طويل المدى، فإن المؤكد أن الفترة المقبلة ستشهد تزايدًا في هذه الظواهر، ما يتطلب تضافر الجهود العلمية والحكومية لمواجهتها بفاعلية.