في عالم كرة القدم، لا يكفي امتلاك الأسماء الكبيرة ولا حتى الطموحات العالية لضمان النجاح، فالعبرة دومًا في النتائج، ومدى تحقق الأهداف المرسومة في هذا السياق، أسدل النادي الإفريقي الستار على علاقته بالمدرب الفرنسي دافيد بيتوني، في خطوة كانت متوقعة منذ أسابيع، لكنها اتخذت طابعًا رسميًا مساء السبت، بعد ضياع آخر فرصة للفريق للتأهل إلى المسابقات القارية.

 

انفصال بيتوني عن النادي الإفريقي: نهاية علاقة متقلبة وطموحات ضائعة

انتهى الموسم ولم يحصد الفريق شيئًا لا بطولة، لا كأس، ولا حتى مقعد في كأس الكونفدرالية الإفريقية هذا الإخفاق الشامل عجل بتفعيل بند فسخ العقد الذي كان موقّعًا بين الطرفين، والذي ينص على نهاية العلاقة تلقائيًا في حال الفشل في بلوغ إحدى المسابقات الإفريقية.

 

موسم من التذبذب والفرص الضائعة

حين تعاقد النادي الإفريقي مع دافيد بيتوني في يوليو 2023، رأى البعض في هذا التعاقد فرصة جديدة لإعادة الروح للفريق، خاصة وأن بيتوني يحمل خلفية أوروبية وسبق له العمل مع زين الدين زيدان، مدرب ريال مدريد السابق، وهو ما منح الجماهير أملًا في مشروع طموح يمتد على مدى موسمين.

 

لكن الواقع كان أقل من التوقعات بكثير فعلى الرغم من أن الإفريقي بدأ موسمه بشكل مقبول، سرعان ما ظهرت التذبذبات في الأداء والنتائج، فالفريق لم يكن قادرًا على فرض نفسه ضمن ثلاثي المقدمة في الدوري، كما فشل في فرض هيبته المعتادة في كأس تونس وبدلاً من أن يتقدم إلى الأمام، بدا وكأن الفريق يسير في دائرة مغلقة.

 

المركز الرابع في ترتيب الدوري، والذي لم يكن كافيًا للتأهل المباشر إلى كأس الكونفدرالية، شكّل ضربة قاسية لطموحات النادي، خاصة وأن التأهل كان مشروطًا أيضًا بنتائج مسابقة الكأس.

 

وقبل مباراة نصف النهائي بين الملعب التونسي والاتحاد المنستيري، كان الإفريقي لا يزال يأمل في بطاقة عبور غير مباشرة، لكن فوز الملعب التونسي في تلك المباراة أطاح بأحلامه تمامًا.

 

عقد مشروط ونهاية تلقائية

وفقًا للعقد الذي وقّعه بيتوني مع النادي الإفريقي، فإن استمرار العلاقة مرهون بتحقيق الفريق لمشاركة قارية، سواء عبر الدوري أو التتويج بالكأس ومع ضياع كلا الخيارين، أصبح من الطبيعي فسخ العقد تلقائيًا، وهو ما تم فعليًا مساء السبت.

 

ورغم أن القرار منطقي من الناحية القانونية، فإن تنفيذه لم يكن سلسًا إذ تشير مصادر إعلامية إلى وجود خلاف مالي حول شروط فسخ العقد، وقد دخل الطرفان بالفعل في مسار قانوني لتسوية النزاع بيتوني، الذي كان يأمل في البقاء لموسم ثانٍ على الأقل، يرى أن الشرط لا يُطبق تلقائيًا، خاصة وأن الفريق كان ينافس حتى اللحظة الأخيرة، بينما يتمسك مسؤولو الإفريقي ببنود العقد الصريحة.

 

مستقبل غامض وبحث عن مدرب جديد

الآن وقد انتهت علاقة النادي الإفريقي ببيتوني، يفتح الفريق صفحة جديدة، قد تكون مليئة بالتحديات. فالنادي، الذي يعاني منذ سنوات من تراجع في نتائجه مقارنة بتاريخه العريق، بحاجة إلى إعادة ترتيب أوراقه، ليس فقط على مستوى الإطار الفني، ولكن أيضًا على مستوى الإدارة والاختيارات الرياضية.

 

الجماهير، التي كانت تمني النفس برؤية الفريق في واجهة الكرة الإفريقية مجددًا، أصبحت اليوم مطالبة بالصبر مرة أخرى، في انتظار معرفة هوية المدرب الجديد الذي سيقود المرحلة المقبلة. والأهم من كل ذلك، أن تتضح الرؤية داخل النادي بشأن الأهداف الحقيقية، وطريقة العمل التي يمكن أن تعيد الإفريقي إلى مكانته الطبيعية.

 

قراءة في مشهد المشاركة القارية

من المهم التوقف عند شكل المشاركة التونسية في البطولات الإفريقية للموسم المقبل، لفهم السياق الذي أطاح ببيتوني. فبحسب الترتيب النهائي للدوري، تأهل الترجي الرياضي بصفته بطل الدوري، رفقة الاتحاد المنستيري، وصيفه، إلى دوري أبطال إفريقيا.

 

أما مقعدا كأس الكونفدرالية، فهما من نصيب النجم الساحلي الذي حل ثالثًا، والفريق الفائز بكأس تونس. وفي حال فاز فريق من أصحاب المراكز الثلاثة الأولى بالكأس، يُمنح المقعد الثاني للفريق صاحب المركز الرابع، وهو ما كان يعوّل عليه الإفريقي.

 

لكن فوز الملعب التونسي على الاتحاد المنستيري في نصف النهائي، وبلوغه النهائي، أوقف هذه المعادلة تمامًا، ومنح الأفضلية لفرق أخرى في سباق التأهل، تاركًا الإفريقي خارج كل الحسابات.

 

خروج دافيد بيتوني من النادي الإفريقي لم يكن مجرد قرار إداري، بل يمثل نهاية فصل من فصول الخيبة التي يعيشها الفريق منذ سنوات هو أيضًا دعوة لمراجعة أعمق لطريقة تسيير النادي، وأساليبه في اختيار مدربيه ولاعبيه. كرة القدم لا ترحم، والعقود وإن حملت بنودًا واضحة، فإنها تعكس دومًا هشاشة العلاقة بين الأداء والنتائج.

 

ما ينتظر الإفريقي الآن ليس مجرد مدرب جديد، بل مشروع يعيد الثقة، يعيد الانتصارات، ويعيد اسم النادي إلى الخريطة الإفريقية كما كان دومًا.