في خطوة جريئة ومثيرة للجدل، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال كلمة ألقاها في المكتب البيضاوي يوم 20 مايو 2025 عن إطلاق مشروع "القبة الذهبية"، وهو نظام دفاع صاروخي وطني مصمم لحماية الولايات المتحدة من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الأسرع من الصوت، ومع أن المشروع يبدو واعدًا من حيث النوايا، إلا أنه يواجه سيلًا من التساؤلات التقنية والمالية والاستراتيجية.
القبة الذهبية ليست جديدة كفكرة، بل تمثل إعادة إحياء لطموحات أمريكية قديمة منذ عهد رونالد ريغان، حين أطلق في الثمانينيات مشروع "مبادرة الدفاع الاستراتيجي" والذي لقب حينها ساخرًا بـ"حرب النجوم"، لكن مثل هذه المشاريع واجهت عوائق تكنولوجية واقتصادية هائلة وتم تجميدها لاحقًا.
اليوم، يحاول ترامب من جديد إحياء الفكرة عبر القبة الذهبية، في ظل توجيهات مباشرة من البيت الأبيض لوزارة الدفاع بإعطاء المشروع أولوية قصوى في ميزانية الأعوام 2026-2030، وأصدر أمرًا تنفيذيًا خلال أول أسبوع له في المنصب يطالب فيه بتقديم خطة تنفيذ كاملة للمشروع بحلول مارس 2026.
الفرق بين القبة الذهبية والقبة الحديدية
رغم تشبيه المشروع بالقبة الحديدية الإسرائيلية، فإن المقارنة غير دقيقة تمامًا:
القبة الحديدية مصممة للتصدي لصواريخ قصيرة المدى تُطلق من مسافات قريبة، وتغطي منطقة صغيرة بحجم ولاية نيوجيرسي.
القبة الذهبية، كما يتصورها ترامب، يجب أن تكون قادرة على حماية الولايات المتحدة بأكملها من تهديدات عابرة للقارات، بما في ذلك صواريخ نووية تطير آلاف الكيلومترات وتعود للغلاف الجوي بسرعات فائقة.
أحد الخبراء قالها بوضوح: "لا يمكنك حماية أمريكا فقط من الحدود أو السواحل، فالصواريخ يمكن أن تسقط في وسط البلاد، في كانساس مثلًا".
بحسب الجمعية الفيزيائية الأمريكية، فإن حماية البلاد من هجوم صاروخي نووي باستخدام نظام فضائي يتطلب حوالي 16,000 صاروخ اعتراضي في المدار فقط للتصدي لهجوم مكون من 10 صواريخ عابرة للقارات هذا الرقم الضخم يجعل المشروع من الناحية التقنية شبه مستحيل تنفيذه بالوسائل الحالية.
كما أن الصواريخ الاعتراضية نفسها بحاجة إلى:
أقمار صناعية للاستشعار وتحديد الأهداف.
أنظمة اتصالات عالية السرعة.
قدرة على إطلاق واعتراض الصواريخ في أجزاء من الثانية.
كل ذلك يتطلب سلاسل توريد معقدة، وشراكات مع الصناعات الدفاعية الكبرى مثل لوكهيد مارتن، التي بدأت فعليًا الترويج لنفسها كشريك محتمل عبر إنشاء موقع إلكتروني مخصص للمشروع.
تكاليف فلكية
الجدل المالي لا يقل عن الجدل التقني. فبحسب جون تيرني، المدير التنفيذي لمركز الحد من الأسلحة، فإن تكلفة نظام كهذا تفوق المنطق الاقتصادي، موضحًا أن: "أنت تطلق صواريخ بملايين الدولارات لاعتراض طائرات مسيرة أو صواريخ بدائية تكلف بضع مئات من الدولارات فقط. الآن تخيل التكلفة عندما يكون النظام فضائيًا بالكامل".
تيرني وصف المشروع بأنه "مزحة مكلفة" و"عملية احتيال"، مكررًا ما قاله سابقًا حين كان عضوًا في الكونغرس ومتابعًا لملف الدفاع الصاروخي عن كثب.
من أخطر ما يطرحه المشروع هو إمكانية زعزعة الاستقرار الاستراتيجي العالمي فامتلاك الولايات المتحدة لنظام دفاعي قادر نظريًا على تحييد الترسانات النووية لخصومها قد يدفع دولًا مثل روسيا والصين إلى الاعتقاد بأن واشنطن تستعد لشن ضربة نووية أولى دون خوف من رد فعل انتقامي.
وهذا يعكس تآكل مبدأ الردع المتبادل، الذي يقوم على ضمان بقاء القدرة على الرد بعد الضربة الأولى، وهو الأساس الذي حافظ على التوازن النووي منذ الحرب الباردة.
مع توجه الولايات المتحدة نحو بناء "القبة الذهبية"، من المرجح أن تقوم الدول المنافسة بتطوير صواريخ أرخص وأكثر عددًا لكسر هذا الحاجز، مما يعيدنا إلى سباق تسلح نووي وصاروخي خطير وغير مستدام اقتصاديًا.
كما أشار أحد الخبراء، فإن العدو لن يحتاج إلى الكثير لإرباك النظام الفضائي؛ فهجمات مضادة على الأقمار الصناعية باستخدام تقنيات أرخص وأسهل قد تجعل المشروع كله هشًا وعرضة للتعطيل.