كشفت بيانات حكومية أميركية حديثة عن مؤشرات متباينة لأداء الاقتصاد الأميركي خلال شهر أبريل، وسط تراجع غير متوقع في أسعار المنتجين، يقابله نمو طفيف في مبيعات التجزئة، ما يعكس حالة من التذبذب في النشاط الاقتصادي الأكبر عالميًا، ويثير تساؤلات حول توجهات السياسة النقدية في المرحلة المقبلة.

 

أسعار المنتجين تتراجع بخلاف التوقعات


ووفقًا للبيانات الصادرة عن مكتب إحصاءات العمل الأميركي اليوم الخميس 15 مايو، سجلت أسعار المنتجين تراجعًا بنحو 0.5% خلال شهر أبريل، مقارنة مع استقرارها في مارس الماضي ويعد هذا الانخفاض أكبر من التوقعات التي أشارت إلى احتمال ارتفاع طفيف بنسبة 0.2%، ما يعكس تباطؤًا في الضغوط التضخمية من بوابة الإنتاج.

 

وعلى أساس سنوي، سجلت أسعار المنتجين ارتفاعًا بنسبة 2.4%، وهي أقل وتيرة نمو منذ سبتمبر/أيلول 2023، الأمر الذي قد يشير إلى بداية انخفاض تدريجي في مستويات التضخم، بعد أشهر من السياسات النقدية المتشددة التي اتبعها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

 

ماذا تعني بيانات أسعار المنتجين؟


يُعتبر مؤشر أسعار المنتجين (PPI) من المؤشرات المهمة التي تسبق عادة تحركات مؤشر أسعار المستهلكين (CPI)، إذ يعكس التكاليف التي يتحملها المنتجون قبل أن تنتقل إلى المستهلك النهائي. وبالتالي، فإن تراجع هذا المؤشر يمكن أن يبعث برسائل إيجابية للأسواق بشأن احتمالية تباطؤ التضخم في الأشهر المقبلة.

 

طلبات إعانة البطالة تستقر


في جانب آخر من البيانات، أعلنت وزارة العمل الأميركية استقرار طلبات إعانة البطالة عند مستوى 229 ألفًا خلال الأسبوع الماضي، وهي نفس مستويات الأسبوع السابق، ومتطابقة مع توقعات المحللين.

 

ويُعد هذا الرقم مؤشرًا مهمًا على قوة سوق العمل الأميركي، حيث أن بقاء طلبات الإعانة عند مستويات منخفضة يشير إلى استمرار الشركات في الاحتفاظ بالعمالة، رغم التحديات الاقتصادية وتقلبات أسعار الفائدة.

 

مبيعات التجزئة تنمو بشكل طفيف


أما على صعيد الطلب الاستهلاكي، فقد أظهرت بيانات صادرة عن مكتب الإحصاء الأميركي نموًا طفيفًا في مبيعات التجزئة خلال شهر أبريل بنسبة 0.1%، لتخالف التوقعات التي رجّحت استقرارها دون تغيير.

 

ويأتي هذا النمو المحدود بعد تسجيل مبيعات التجزئة لارتفاع كبير نسبته 1.7% في مارس، ما قد يعكس حالة من الحذر بين المستهلكين في ظل استمرار ارتفاع أسعار الفائدة وتراجع القدرة الشرائية.

 

تحليل اقتصادي: هل الاقتصاد يتباطأ فعلًا؟


يرى محللون أن هذه الأرقام تعكس حالة من التوازن الدقيق في الاقتصاد الأميركي، حيث تراجع الضغوط التضخمية يقابله استقرار في سوق العمل وضعف نسبي في الإنفاق الاستهلاكي. وتشير هذه المؤشرات مجتمعة إلى أن الاقتصاد لم يدخل في حالة ركود بعد، لكنه بدأ يُظهر بوادر تباطؤ تدريجي.

 

ويقول "جون ميلر"، كبير المحللين الاقتصاديين في بنك "سيتي غروب"، إن "تراجع أسعار المنتجين قد يُفسّر كإشارة إيجابية للاحتياطي الفيدرالي، لكنه لا يكفي وحده لتغيير اتجاه السياسة النقدية. السوق لا تزال بحاجة إلى تأكيدات عبر بيانات التضخم الأساسية وسوق العمل"

 

تأثير البيانات على السياسة النقدية


تأتي هذه البيانات في وقت يترقبه المستثمرون بعناية، وسط ترقّب لقرار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بشأن أسعار الفائدة خلال الاجتماع المقبل. وبينما كانت التوقعات تميل إلى تثبيت الفائدة عند مستوياتها المرتفعة الحالية، قد تُعيد هذه الأرقام الجدل حول مدى الحاجة للاستمرار في التشديد النقدي.

 

ويعتبر البعض أن تباطؤ الضغوط التضخمية يمنح الفيدرالي مساحة للمناورة، وربما للتفكير في خفض الفائدة خلال النصف الثاني من العام إذا استمرت مؤشرات الهدوء في التضخم.

 

الأسواق تترقب والاقتصاد تحت المجهر


في ضوء هذه المؤشرات المتباينة، تبقى الصورة الاقتصادية للولايات المتحدة غير واضحة المعالم، وهو ما يزيد من تذبذب الأسواق العالمية. فالاقتصاد الأميركي، رغم متانته الظاهرة، يواجه تحديات داخلية وخارجية تتطلب قرارات دقيقة من صناع السياسات.

 

ويرى خبراء أن الشهور المقبلة ستكون حاسمة، خصوصًا في ظل ترقّب بيانات التضخم المستقبلية ورد فعل الأسواق على قرارات الفيدرالي، بالإضافة إلى ما إذا كان الاقتصاد الأميركي سيتمكن من تجنّب الركود وتحقيق "الهبوط الناعم" الذي يطمح إليه الجميع.