أعلنت المملكة المغربية أمس عن إطلاق أول قمر صناعي متخصّص في مراقبة التصحر ودعم الزراعة الذكية في الوطن العربي، وجرى إطلاق القمر من مركز الفضاء الأورومتوسطي بمدينة تاراغونا الإسبانية ضمن تعاون استراتيجي مع وكالة الفضاء الأوروبية، ويهدف المشروع إلى تقديم بيانات دقيقة تساعد في متابعة تقدم أشغال إعادة التشجير ورصد تقلّص الرقعة الصالحة للزراعة بسبب التغير المناخي، وقد حضر حفل الإطلاق وزير الفلاحة والصيد البحري والتشغيل الذاتي والتنمية القروية وممثلو الوكالات الدولية والهيئات العلمية المتخصصة.
يعتمد القمر الصناعي الذي حمل اسم “تارا-1” على تقنية الاستشعار المتقدّم بالسواتل متعددة الأطياف، حيث يُزوّد بأجهزة لالتقاط صور بالأشعة تحت الحمراء والأشعة المرئية ورصد مستويات الرطوبة في التربة ودرجة حرارة السطح، وتصل دقّة التصوير المكاني إلى مترين لكل بيكسل، مما يسمح للمزارعين والباحثين في المغرب والعالم العربي بتحديد المناطق المتضررة وتشخيص أسباب تدهور التربة بدقة عالية، وتُرسل البيانات إلى محطة الاستقبال الأرضية بمدينة ورزازات على مدار 24 ساعة يومياً عبر قناة اتصال مشفّرة لضمان سلامة المعلومات وسرعة توفرها.
شارك في تصميم وبناء القمر الصناعي تحالف بحثي مغربي يضم المعهد الوطني للبقاء والمياه ومعهد الفضاء والتقنيات الحديثة إلى جانب جامعة محمد الخامس بالرباط وشركة أوروبية متخصّصة في هندسة الأقمار الصناعية، وشمل الاتفاق نقل التكنولوجيا وتدريب فريق فني مغربي على مراحل التصنيع والاختبارات الأرضية والإدارية، وأشرف الخبراء الأوروبيون على مرحلة دمج الأجهزة مع الهيكل المعدني، وتلقى أكثر من مئة مهندس وفني مغربي دورات تدريبية مكثفة في جامعات أوروبية رائدة لتشغيل المحطات الأرضية وإدارة قواعد بيانات الاستشعار عن بعد.
تم إنشاء مركز بيانات وطني في ورزازات خصّيصاً لمعالجة البيانات القادمة من القمر الصناعي، ويضم المركز معدّات حوسبة فائقة الأداء لتشغيل خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تقوم بتحليل الصور واستخراج خرائط تظهر تطوّر الغطاء النباتي وانجرافات التربة السنوية، إضافة إلى نظام تنبيهات يستهدف الجهات الحكومية والمحلية بإرسال إشعارات فورية عند اكتشاف عمليات التصحر السريعة أو انخفاض رطوبة التربة تحت عتبات حرجة، مما يمكّن فرق التدخل من اتخاذ الإجراءات المناسبة لوقف التدهور ودعم الفلاحين في المناطق الأكثر عرضة للجفاف.
يتوقع أن تسهم هذه المبادرة في تحسين إدارة الماء والموارد الزراعية في المغرب وجميع دول الساحل والصحراء التي تواجه تحديات مماثلة، إذ يمكن للبيانات المجمعة مساعدة الحكومات على تخطيط مشاريع الري الذكي وزراعة المحاصيل المقاومة للجفاف في الأماكن المناسبة بالضبط، كما يفيد القمر الصناعي في مراقبة شبكات السدود والخزانات الصناعية لتقييم كمية المياه المتاحة وتأثير التقلبات المناخية على المخزون المائي، مما يعزّز الأمن الغذائي ويقلّل من النزوح القروي إلى المدن.
تمويل المشروع جاء عبر صندوق خاص للطاقة والبيئة أنشأته الحكومة المغربية بالشراكة مع صندوق المناخ الأخضر التابع للأمم المتحدة وبنك التنمية الإفريقي، وقد بلغت تكلفة تصنيع وإطلاق القمر وتشغيل مركز البيانات حوالي مئتين وخمسين مليون دولار، مع تخصيص ميزانية سنوية للصيانة والتحديث تتم عبر مساهمات من القطاعين العام والخاص، كما أصدرت الحكومة سندات خضراء للاستثمار في مشاريع مراقبة التغير المناخي وتعزيز قدرات البلاد في مجالات الفضاء والاستشعار عن بعد.
ورغم تركيز القمر الصناعي على مراقبة التصحر والزراعة الذكية، فقد أعلن المعهد الوطني للبقاء والمياه عن خطط مستقبلية لاستخدام “تارا-1” في رصد حرائق الغابات ومتابعة حرائق المزارع في المناطق الجبلية التي تشهد ارتفاعاً في درجات الحرارة صيفاً، كما يُعتزم التعاون مع دول عربية مجاورة لتبادل البيانات وتطبيق الخبرة المغربية في مشاريع التكيّف مع المناخ، إذ عقدت المغرب مؤخرًا اتفاقيات مع تونس والجزائر وموريتانيا لتطوير برنامج إقليمي لمراقبة التغير المناخي.
وتشمل المرحلة القادمة إطلاق قمر صناعي شبيه ب“تارا-1” لكنه مُعدّ لرصد البحار والمحيطات لتقييم التلوّث البحري وتغيرات ارتفاع منسوب المياه في السواحل، في إطار تحقيق الاستدامة البيئية الشاملة والمساهمة في أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، كما يدرس المجلس الوطني للفضاء توسيع شبكة الأقمار الصناعية المغربية لتمتد إلى عشرة أقمار بحلول عام 2030 مما يعزّز من ريادة المملكة في مجال الفضاء ويعزّز من قدرات البحث العلمي والتعاون الدولي في مواجهة تحديات العصر.