انطلقت أمس أول رحلات خدمة القطار فائق السرعة التي تربط بين الدار البيضاء ومراكش بسرعة تشغيلية تصل إلى 350 كيلومترًا في الساعة مما يسمح للمسافرين بقطع المسافة التي كانت تستغرق أربع ساعات بالسيارة في أقل من ساعة ونصف وقد تم تدشين الخط بحضور وزراء النقل والطاقة والاستثمار ورئيس إدارة المكتب الوطني للسكك الحديدية بحفل أقيم في محطة القنيطرة الكبرى بحضور ممثلين عن الشركات الفرنسية واليابانية المشغلة للمشروع.

 

يتضمن المشروع بناء مسار بطول 240 كيلومترًا متكاملًا وفق أفضل المواصفات العالمية حيث تم تجهيز السكة بنظام عزف الحماية المضاد للتآكل وتم تركيب جدران عازلة للصوت على امتداد الممرات السكنية لتخفيف الضجيج كما جرى تصميم أنفاق وجسور دقيقة هندسيًا لعبور السيارات والمواشي والقاطرات التقليدية ما يجعل المسار آمناً ومستقراً ويمكن استخدام الطاقة الكهربائية بنسبة مائة بالمئة المطروحة من شبكة المحطات الشمسية المنتشرة في المواقع المحيطة.

 

زودت المحطات الأربع الرئيسية في الرباط وآسفي والقلعة ومراكش بأحدث مرافق خدمات الركاب التي تشمل أنظمة التكييف الذاتي وتوجيه الركاب عبر شاشات ذكية تعمل بتقنيات الواقع المعزز لتسهيل التنقل وتوفير المعلومات اللحظية عن مواعيد القطارات والتأخيرات وأرقام الأرصفة بالإضافة إلى محطات شحن للسيارات الكهربائية وخطوط نقل بالحافلات المكيفة إلى مواقف السيارات الخارجية مما يعزز التكامل بين وسائط النقل ويحد من ازدحام الشوارع الداخلية.

 

يعتمد تشغيل القطار على نظام طاقة مستدامة يستمد الكهرباء من محطة شمسية بطاقتها الإنتاجية 120 ميغاواط مرتبطة مباشرة بخط السكة الكهربائية ويتولى التحكم بكمية الطاقة المرسلة عبر نظام ذكي يوازن بين الإنتاج والطلب لضمان استقرار الجهد الكهربائي وتقليل الفاقد والتقلبات الموسمية كما عملت وزارة الطاقة على ربط المحطة الشمسيّة بمشروع الرياح القريب لتوفير احتياطي طاقة بديل في الأيام قليلة التعرض للشمس.

 

شارك في إنجاز المشروع تحالف تقني دولي وشمل شركات فرنسية ويابانية وسويسرية تعمل في مجال السكك الحديدية والإلكترونيات بالإضافة إلى مكتب وطني للسكك الحديديّة أشرف على تنفيذ الأعمال المدنية وعمليات التوريد والتشغيل وتدريب الكوادر الوطنية وتم نقل تكنولوجيا الصيانة والتشغيل إلى مائة مهندس وفني مغربي خلال برامج مكثفة أقيمت في أوروبا قبل بدء التشغيل كما وفر التحالف منحًا دراسيّة لطلاب الجامعات المغربية لدراسة الهندسة السككية.

 

من المتوقع أن يحقق المشروع فوائد اقتصادية مباشرة عبر جذب مستثمرين لإنشاء مراكز لوجستية وسياحية على محاور المحطات ويُقدر خبراء بأنها ستسهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي للمناطق التي يمر بها المشروع بنسبة تتراوح بين 1 و2 بالمئة سنويًا كما سيوفر آلاف فرص العمل في قطاعات البناء والصناعة والخدمات والفنادق والمطاعم والمحلات التجارية التي ستقام بالقرب من المحطات مما يعزز انتشار التنمية العمرانية المتوازنة.

 

قالت وزارة السياحة إن افتتاح القطار الفائق السرعة سيكون عامل جذب للسياح القادمين إلى المغرب حيث يمكنهم الآن زيارة مراكش الآسرة برحلة قصيرة من العاصمة الاقتصادية واستكشاف المواقع التاريخية كجامع الفنا وقصر الباهية وجبال الأطلس خلال نهاية الأسبوع مما يعزز الإسهام السياحي في الاقتصاد الوطني ويدعم استراتيجية الوزارة لجذب أكثر من 20 مليون سائح بحلول عام 2030.

 

أكدت الهيئة الوطنية للسكك الحديدية أنها ستنظم تدريجيًا رحلات إضافية صباحية ومسائية لتلبية الطلب المتزايد بعد نجاح المرحلة التجريبية وأعلنت عن خطط لإطلاق خط فائق السرعة يربط الدار البيضاء وطنجة عبر الرباط في المرحلة المقبلة مما يشكل جزءًا من شبكة مستقبلية لقطارات فائقة السرعة تمتد إلى الرباط والشرق نحو فاس ومكناس وإلى الجنوب نحو أكادير والصويرة ضمن رؤية المغرب 2035 للنقل السككي.

 

تلقّت تجربة المغرب إشادة واسعة من الاتحاد الدولي للسكك الحديدية ومنظمات النقل العالمية التي رأت فيها نموذجًا رائدًا للتحول في النقل الحضري والضواحي بينما عبرت دول عربية صديقة عن رغبتها في الاستفادة من التجربة المغربية لبدء مشاريع مماثلة لربط المدن الكبرى في بلدانها بخدمات فائقة السرعة يمكنها تعزيز التكامل الإقليمي وتوفير بدائل نقل مستدامة تقلل من استهلاك الوقود الأحفوري وتحد من التلوث وتقرب المسافات بين المدن الكبرى.