أعلنت مدينة الدار البيضاء عن تدشين أول حي ذكي في المغرب يوم الاثنين ضمن مبادرة تنموية كبرى تهدف إلى تحويل الحي التجاري القديم إلى منطقة نموذجية تعتمد على التقنيات الرقمية المتطورة وشبكات الطاقة المتجددة بحضور والي الجهة ورؤساء البلديات والمستثمرين وممثلي الشركات التكنولوجية المحلية، وقد شهد حفل الإطلاق عرضًا حيًا لكيفية إدارة خدمات البنية التحتية بذكاء عبر شاشات تفاعلية تمثل لوحة قيادة للحالة العامة للحي من حيث الإضاءة والشبكات والمياه والنفايات إضافة إلى تقديم جولات تعريفية للمشاركين داخل المباني الذكية وقاعات الاجتماعات والمقاهي الرقمية.
يهدف المشروع إلى تحسين جودة الحياة في الحي من خلال توفير خدمات متكاملة مثل نظام متطور لإدارة المرور وركن السيارات الذكي يوفر الوقت والمساحة للمركبات وزيادة الأمان وتقليل الازدحام بالإضافة إلى نظام مراقبة بيئي يجمع بيانات عن جودة الهواء ومستوى الضوضاء وتلوث المياه ضمن مصادر تغذيه ذاتية تعكس بيانات حيّية يتم تحليلها بشكل فوري عبر خوارزميات الذكاء الاصطناعي لدعم صناع القرار في البلدية وتقديم تنبيهات مسبقة للتدخل السريع عند حدوث أي طارئ بيئي أو مروري.
تعتمد البنية التحتية للحي الذكي على مزيج من ألياف بصرية فائقة السرعة وأجهزة استشعار موزعة في الشوارع تُعرف بأجهزة إنترنت الأشياء وتغطيها مرافق طاقة شمسية مركبة على أسطح المباني وعواميد إنارة الشوارع وتوفر هذه الألواح ما يكفي من الكهرباء لتشغيل أنظمة الإضاءة الذكية والكاميرات وأجهزة الاتصالات بينما يتم تخزين الفائض في بطاريات ليثيوم أيون توزع الطاقة عند الحاجة دون انقطاع مما يقلل الاعتماد على الشبكة الرئيسية ويضمن استمرارية عمل الأجهزة الحيوية حتى عند انقطاع التيار الخارجي.
شارك في تصميم وتشغيل الحي الذكي تحالف بين شركة مغربية رائدة في مجال الحلول الرقمية وشركة هولندية متخصصة في الطاقة المتجددة إلى جانب جامعة الحسن الثاني التي توفر خبراء وباحثين لدراسة وتحليل بيانات الحي يسهم التحالف في تحديث البرمجيات وصيانة أجهزة الاستشعار وتطوير منصات الويب والتطبيقات التي يستخدمها السكان كما يركز التعاون على نقل التكنولوجيا وتدريب شريحة واسعة من الشباب الجامعي على مهارات البرمجة وتحليل البيانات وإدارة مشروعات المدن الذكية.
يتوقع أن يسهم إنشاء الحي الذكي في جذب الاستثمارات العقارية والتجارية نظرًا للقدرة على تقديم خدمات متطورة تقلل التكاليف وتزيد من جاذبية المنطقة للعائلات والشركات الصغيرة ومتاجر التجزئة كما يوفر المشروع فرص عمل مباشرة في مجالات صيانة الأنظمة والطاقة والبرمجة وخدمات العملاء بالإضافة إلى خلق فرص غير مباشرة في قطاع الضيافة والخدمات اللوجستية وسيساهم في خفض استهلاك الطاقة والمياه بنسبة تتراوح بين 30 و40 بالمئة بسبب التحكم الدقيق والمراقبة اللحظية مما يدعم جهود الاستدامة الوطنية.
أطلقت البلدية تطبيقًا للهواتف الذكية يتيح للسكان التحكم في الخدمات المخصصة لمنازلهم مثل نظام التبريد والتدفئة الذكي وتفعيل نظام الإنذار والإضاءة الخارجية بالإضافة إلى متابعة الفواتير ودفع رسوم المرافق إلكترونيًا دون الحاجة للذهاب إلى مراكز الخدمة ويتميز التطبيق بدرجة عالية من التشفير لحماية خصوصية المستخدمين ويعتمد على بروتوكولات رسمية للتحقق من الهوية كما يتضمن قنوات تواصل مباشر مع فرق الدعم الفني للاستجابة الفورية لأي مشكلة تقنية أو طارئ خدمي قد يواجه سكان الحي.
يشكل الحي الذكي البداية في خطة أوسع لتعميم هذه التجربة على مدن مغربية أخرى مثل فاس ومراكش وطنجة حيث يدرس المجلس البلدي توريد مزيد من محطات الشحن الذكي للسيارات الكهربائية ومحطات تبريد مياه النهر الصناعي إلى الحي الصناعي القريب كما يجري التنسيق مع القطاع الخاص لإقامة معارض ابتكارات سنوية تجمع الشركات الناشئة من الدول العربية لتبادل الخبرات وعرض آخر ما توصلت إليه من حلول ذكية لذلك يعتبر المشروع نقطة انطلاق لشبكة وطنية للمدن الذكية.
يرى الخبراء أن انطلاقة الحي الذكي في الدار البيضاء تمثل تحولا جذريًا في النهج التنموي المغربي يعكس إرادة الحكومة في متابعة الرهانات الرقمية العالمية ويؤكد قدرة الاقتصاد الوطني على استيعاب التكنولوجيا الحديثة مع الحفاظ على الهوية الثقافية والتاريخية للمدن القديمة ويأمل المواطنون أن تتوسع قاعدة المشاريع الذكية لتشمل خدمات النقل الذكي والمدارس الرقمية والمستشفيات المعدلة عبر الروبوتات والذكاء الاصطناعي مما يرسخ فكرة المملكة المغربية كبلد رائد في تطبيق تقنيات المستقبل على أرض الواقع.
---