أعلنت وزارة النقل والاتصالات في سلطنة عمان عن بدء التشغيل التجاري لأول قطار يعمل بالهيدروجين ضمن شبكة سكة الحديد الوطنية التي تربط العاصمة مسقط بمدينة صحار الصناعية على ساحل بحر عمان، وقد أقيم احتفال رسمي بحضور رئيس مجلس الوزراء ووزير النقل ورئيس الهيئة العامة للكهرباء والمياه وعدد من كبار المسؤولين والمستثمرين، ويأتي هذا القطار كجزء من مبادرة عمان للطاقة النظيفة 2040 التي تهدف إلى تحقيق حياد كربوني من خلال استبدال الوقود الأحفوري بالهيدروجين المنتج من مصادر متجددة مثل طاقة الرياح والشمس، ويبلغ طول خط السكة الحديد 270 كيلومترًا وتضم المحطات ثماني محطات رئيسية تغطي مناطق استراتيجية صناعية وزراعية وسكنية، ويتم تزويد القطار بالوقود من محطات ضخ الهيدروجين المنتشرة على المحور والتي تعتمد طاقة التوليد المحلية لضخ الوقود بعد إنتاجه عبر تقنية التحليل الكهربائي
يعمل القطار بنظام دفع هجين يجمع بين خلايا الوقود التي تحول الهيدروجين إلى كهرباء مباشرة والمحركات الكهربائية المتقدمة مما يوفر أداءً متميزًا وسرعة قصوى تصل إلى 200 كيلومتر في الساعة، كما تبلغ قدرة خلايا الوقود 4 ميغاواط وتزود البطاريات المدمجة بقدرة 1.5 ميغاواط لتخزين الطاقة الفائضة عند التباطؤ واستخدامها خلال فترات الذروة، وتتميز المقاعد بنظام استشعار ذكي يتحكم في تكييف الهواء والإضاءة الداخلية لتوفير راحة الركاب واستهلاك الطاقة بشكل أمثل، بينما يجمع نظام المراقبة اللحظية بيانات الأداء والصيانة التنبؤية للتأكد من جاهزية القطار والحد من توقفه غير المخطط له
شارك في تنفيذ المشروع تحالف تقني عالمي يضم شركتي “تويوتا للصناعات الثقيلة” اليابانية و“سيمنز” الألمانية بالتعاون مع الهيئة العامة للكهرباء والمياه العمانية ووزارة الطاقة والمعادن، وقد تضمنت الاتفاقيات نقل التكنولوجيا وبناء قدرات الكوادر العمانية عبر برامج تدريبية مكثفة في ورش عمل دولية ومحلية، كما وفر التحالف تمويلًا ميسرًا من بنك التنمية الآسيوي وبنك الاستثمار الأوروبي بقيمة تجاوزت 800 مليون دولار، لتغطية تكاليف التصميم والبناء والتجهيز والصيانة خلال السنوات الخمس الأولى
يُتوقع أن يسهم قطار الهيدروجين الجديد في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 250 ألف طن سنويًا مقارنة بوسائل النقل التقليدية التي كانت تعمل بالديزل، كما سيخفض تكاليف التشغيل والصيانة على المدى الطويل بفضل كفاءة خلايا الوقود والمحركات الكهربائية التي تتطلب صيانة أقل من المحركات الاحتراقية، ويعد المشروع نموذجًا رائدًا في المنطقة لتشجيع الدول العربية على تبني تقنيات الهيدروجين في النقل البري والبحري والجوي، خصوصًا مع الخطة العربية الموحدة للطاقة النظيفة 2030 التي تشجع على التعاون الإقليمي لتطوير سوق الهيدروجين الأخضر
خصصت وزارة النقل نسبة 30 في المئة من وظائف تشغيل وصيانة القطار والأنابيب ومحطات الضغط لصالح الكوادر الوطنية العمانية ممن اجتازوا البرامج التدريبية بالتعاون مع المعاهد التقنية وجامعة السلطان قابوس، وشملت الوظائف مهندسي أنظمة الهيدروجين وميكانيكيي خلايا الوقود وتقنيي الاتصالات والشبكات، كما تم إنشاء مركز للأبحاث التطبيقية في مدينة صحار يضم خبراء وباحثين محليين ودوليين لدراسة تطبيقات مستقبلية للقطارات الهيدروجينية وتطوير وحدات أصغر ملائمة لنقل البضائع والسكك الثانوية
يفتح المشروع الباب أمام تطوير خطين إضافيين ضمن شبكة السكك الحديدية العمانية لربط صلاله في الجنوب بمسقط شمالًا، ودمج الربط مع الخط السعودي الإماراتي الذي يُعدّ جزءًا من شبكة القطار الفائق السرعة المزمعة في الخليج، كما يجري التنسيق مع الهيئة العامة للموانئ والهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة لاستثمار البنية التحتية القائمة وتسهيل نقل الحاويات والسلع عبر القطارات الهيدروجينية مما يدعم التجارة الإقليمية ويحفز التنمية الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي
تلقى المشروع إشادة من الاتحاد الدولي للسكك الحديدية ومنظمات بيئية عالمية اعتبرته مثالًا يُحتذى به لتحويل قطاع النقل إلى نموذج مستدام، وتوقع خبراء اقتصاد أن يعزز المشروع فرص نمو الاقتصاد الوطني بنسبة تصل إلى 1.5 في المئة سنويًا من خلال توفير الطاقة الخضراء وخفض الاعتماد على الواردات النفطية، ويعزز من مكانة عمان كمركز للابتكار في مجال النقل والطاقة المتجددة في المنطقة والعالم.