يعاني الكثيرون حول العالم من حالة مزمنة ومحيرة تعرف بالألم العضلي التليفي أو "الفيبروميالجيا" هذا الاضطراب لا يقتصر على الشعور بألم واسع الانتشار في مختلف أنحاء الجسم بل يتعداه ليؤثر بشكل جذري على جودة حياة المصابين به فارضا عليهم تحديات يومية قد تبدو خفية للآخرين لكنها مرهقة لمن يعيشها إن فهم طبيعة هذا الألم وأسبابه وأعراضه هو الخطوة الأولى نحو التعامل معه بفاعلية وتحسين حياة المرضى

ما هو الألم العضلي التليفي وكيف يشعر به المصاب

ببساطة هو حالة تتميز بألم مزمن يشعر به المريض في العضلات والأنسجة الرخوة المحيطة بالمفاصل في مناطق متعددة من الجسم لكن الأمر لا يتوقف عند حدود الألم الجسدي فقط فالألم العضلي التليفي غالبا ما يكون مصحوبا بمجموعة من الأعراض الأخرى المرهقة مثل الشعور بالإرهاق الشديد والتعب المستمر حتى بعد الحصول على قسط كاف من النوم بالإضافة إلى اضطرابات ملحوظة في النوم نفسه مثل الأرق أو النوم المتقطع كما يعاني الكثيرون من مشاكل في الذاكرة والتركيز تعرف بـ"الضباب الليفي" إلى جانب تقلبات في المزاج قد تصل إلى حد القلق أو الاكتئاب

يعتقد العلماء أن جذور هذا الألم قد تكمن في طريقة معالجة الجهاز العصبي المركزي (الدماغ والحبل النخاعي) للإشارات الحسية القادمة من الجسم حيث يبدو أن هناك خللا أو تغيرا في هذه المعالجة يؤدي إلى تضخيم الشعور بالألم حتى من المحفزات التي لا تسبب ألما في العادة وكذلك زيادة الحساسية للإشارات المؤلمة الفعلية

متى وكيف تبدأ الأعراض بالظهور

لا يوجد نمط واحد لبداية ظهور أعراض الألم العضلي التليفي ففي بعض الحالات قد تبدأ الأعراض بشكل مفاجئ بعد التعرض لحادث معين مثل إصابة جسدية أو الخضوع لعملية جراحية أو حتى بعد الإصابة بعدوى فيروسية أو بكتيرية وفي أحيان أخرى قد يكون الإجهاد النفسي الشديد أو الصدمات العاطفية هي الشرارة التي تشعل فتيل الأعراض ولكن في المقابل قد تتطور الأعراض بشكل تدريجي وبطيء على مدى شهور أو سنوات دون وجود سبب واضح أو حدث معين يمكن ربطه ببداية الحالة مما يزيد من حيرة المريض وصعوبة التشخيص في بعض الأحيان

من هم الأكثر عرضة للإصابة

تظهر الإحصائيات الطبية بوضوح أن النساء هن الأكثر عرضة للإصابة بالألم العضلي التليفي مقارنة بالرجال بنسبة قد تصل إلى عدة أضعاف كما لوحظ أن العديد من الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب لديهم أيضا حالات صحية مزمنة أخرى تترافق معه ومن أبرزها الصداع التوتري أو الصداع النصفي ومتلازمة القولون المتهيج (القولون العصبي) واضطرابات القلق والاكتئاب وبعض أمراض المناعة الذاتية مثل التهاب المفاصل الروماتويدي أو الذئبة الحمامية

الأعراض الرئيسية التي تميز الألم العضلي التليفي

  • ألم واسع الانتشار هو السمة الأبرز والأكثر شيوعا يوصف عادة بأنه ألم خفيف لكنه مستمر ومزعج يدوم لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر ولكي يعتبر الألم واسع الانتشار يجب أن يكون محسوسا في كلا جانبي الجسم (الأيمن والأيسر) وكذلك في الأجزاء العلوية والسفلية من الجسم (فوق وتحت الخصر)

  • الإرهاق المزمن شعور طاغ بالتعب والإرهاق لا يزول حتى بعد النوم لفترات طويلة ويعتقد أن نوعية النوم السيئة والمتقطعة التي يسببها الألم تلعب دورا كبيرا في هذا الإرهاق

  • الصعوبات الإدراكية (الضباب الليفي) يعاني الكثيرون من صعوبة في التركيز والانتباه وتذكر المعلومات واتخاذ القرارات وهي حالة توصف مجازا بـ"الضباب الليفي" أو "Fibro Fog"

  • المشاكل الصحية المصاحبة كما ذكرنا سابقا غالبا ما تترافق الحالة مع اضطرابات أخرى مثل القولون المتهيج الصداع النصفي أو التوتري التهاب المثانة المؤلم (متلازمة المثانة المؤلمة) واضطرابات القلق والمزاج

لماذا يحدث هذا الألم الأسباب المحتملة

على الرغم من أن السبب الدقيق للألم العضلي التليفي لا يزال غير مفهوم تماما إلا أن الأبحاث تشير إلى أن التحفيز المستمر والمتكرر للأعصاب لدى الأشخاص المصابين قد يؤدي إلى تغييرات في كيمياء الدماغ والحبل النخاعي يعتقد أن هذه التغييرات تؤدي إلى زيادة غير طبيعية في مستويات بعض المواد الكيميائية المسؤولة عن نقل إشارات الألم (الناقلات العصبية) في الوقت نفسه قد تصبح المستقبلات العصبية في الدماغ أكثر حساسية وتفاعلية مما يجعلها تستجيب بشكل مبالغ فيه للإشارات المؤلمة وحتى للإشارات غير المؤلمة مثل اللمس أو الضغط الخفيف

عوامل تزيد من خطر الإصابة

هناك بعض العوامل التي قد تزيد من احتمالية الإصابة بالألم العضلي التليفي وتشمل

  • الجنس كون الشخص أنثى يزيد من خطر الإصابة بشكل ملحوظ

  • التاريخ العائلي وجود أفراد آخرين في العائلة مصابين بنفس الاضطراب قد يشير إلى وجود استعداد وراثي محتمل

  • الاضطرابات الأخرى الإصابة ببعض الأمراض المزمنة الأخرى مثل الفصال العظمي (خشونة المفاصل) أو التهاب المفاصل الروماتويدي أو الذئبة يزيد من احتمالية الإصابة بالألم العضلي التليفي

المضاعفات المحتملة وتأثيرها على الحياة

يمكن للألم المزمن والإرهاق المستمر واضطرابات النوم المصاحبة للألم العضلي التليفي أن تعيق بشكل كبير قدرة الشخص على القيام بأنشطته اليومية المعتادة سواء في مجال العمل أو في المنزل ورعاية الأسرة هذا التأثير السلبي على الأداء الوظيفي والاجتماعي بالإضافة إلى الإجهاد النفسي الناتج عن محاولة التعايش مع أعراض مزمنة ومحبطة يمكن أن يؤدي بدوره إلى تفاقم حالات القلق والاكتئاب لدى المريض مما يدخله في حلقة مفرغة

كيف يمكن التعامل مع الألم العضلي التليفي

على الرغم من أنه لا يوجد علاج شاف ونهائي للألم العضلي التليفي حتى الآن إلا أن الخبر السار هو وجود مجموعة متنوعة من العلاجات والاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد بشكل كبير في تخفيف الأعراض وتحسين نوعية الحياة تشمل خطط العلاج عادة

  • الأدوية هناك بعض الأدوية المخصصة التي وافقت عليها الجهات الصحية للمساعدة في إدارة الألم وتحسين النوم والمزاج لدى مرضى الألم العضلي التليفي (يجب استشارة الطبيب لوصف الدواء المناسب)

  • العلاج الطبيعي والتمارين الرياضية تساعد التمارين الرياضية المنتظمة ومنخفضة الشدة مثل المشي أو السباحة أو اليوجا في تقليل الألم وتحسين المرونة وزيادة مستويات الطاقة

  • أنشطة الاسترخاء وتقليل التوتر تقنيات مثل التأمل التنفس العميق الاسترخاء العضلي التدريجي والعلاج السلوكي المعرفي يمكن أن تساعد في إدارة التوتر وتحسين القدرة على التأقلم مع الألم

  • تعديلات نمط الحياة الحصول على قسط كاف من النوم اتباع نظام غذائي صحي تنظيم الأنشطة اليومية لتجنب الإرهاق كلها عوامل مهمة في إدارة الأعراض

إن التعامل مع الألم العضلي التليفي يتطلب نهجا شاملا ومتعدد الجوانب وصبر ومثابرة من المريض ودعم من المحيطين به والطاقم الطبي المعالج صحيح أنه تحد كبير لكن بفهم الحالة واتباع خطة علاجية مناسبة يمكن للمصابين به تحسين نوعية حياتهم بشكل ملحوظ واستعادة جزء كبير من نشاطهم وحيويتهم