حذر الدكتور شريف العماري، الباحث والخبير المتخصص في شؤون العلاقات الأسرية، من الانحراف الخطير الذي أصاب منظومة الزواج في مصر، حيث تحوّل من رباط مقدس قائم على العفة وتكوين الأسرة، إلى عبء مالي يقود إلى الطلاق والسجون. وأوضح أن التباهي في حفلات الزفاف وتكديس الأجهزة المنزلية بأموال مقترضة جعل الزواج "قيدًا خانقًا" بدلًا من أن يكون مصدرًا للاستقرار. هذا التحول المقلق يهدد استقرار الأسر المصرية ويؤثر سلبًا على المجتمع بأكمله. الدكتور العماري يشدد على ضرورة العودة إلى القيم الأصيلة للزواج، والتي تركز على المودة والرحمة والتفاهم المتبادل، بدلاً من التركيز على المظاهر الخادعة والتكاليف الباهظة.

الديون والشيكات تطارد الأزواج

أشار الدكتور العماري إلى أن 80% من قضايا المحاكم المتعلقة بالأسرة في مصر تعود إلى إيصالات الأمانة والشيكات الناتجة عن تكاليف الزواج الباهظة. وأكد أن الشباب المقبل على الزواج يضطر إلى الاقتراض من البنوك أو الأفراد لتغطية نفقات الزفاف وشراء الأجهزة والمفروشات، مما يضعهم تحت ضغط مالي هائل منذ بداية حياتهم الزوجية. هذا الضغط المالي يؤدي إلى خلافات مستمرة بين الزوجين، وقد ينتهي بالطلاق أو السجن في حالة عدم القدرة على سداد الديون. إن هذا الوضع المأساوي يتطلب تدخلًا عاجلًا من الجهات المعنية لإيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة، وتوعية الشباب بأهمية التخطيط المالي السليم قبل الزواج.

"القائمة" بدعة تزرع الغل وتخلق الغارمات

انتقد الدكتور العماري بشدة ظاهرة "قائمة المنقولات الزوجية"، التي أصبحت عرفًا سائدًا في العديد من المناطق المصرية. وأوضح أن هذه القائمة، التي تصل قيمتها في بعض المناطق الشعبية إلى مليون جنيه، تحولت إلى أداة للتفاخر الاجتماعي ومصدرًا للكراهية بين العائلات. وأشار إلى أن الأمهات غالبًا ما يقمن بتحريض بناتهن على المطالبة بقيمة القائمة كاملة في حالة حدوث خلافات مع أزواجهن، مما يؤدي إلى تفكك الأسر وزيادة نسبة الطلاق. كما أكد أن هذه القائمة أصبحت سببًا في انتشار الغارمات، حيث تضطر العديد من النساء إلى الاقتراض لتغطية قيمة القائمة، ثم يجدن أنفسهن غير قادرات على سداد الديون، مما يعرضهن للسجن والتشرد.

الرجولة الحقيقية وقيم دينية

دعا الدكتور العماري إلى العودة إلى مقاصد الزواج الحقيقية القائمة على المودة والرحمة، بعيدًا عن التباهي بالمظاهر. وشدد على أن الحل يكمن في "الرجولة الحقيقية"، أي تقبل الإمكانيات المادية المتاحة دون خجل، وبناء حياة كريمة على أساس الدين والخلق. وأوضح أن الرجل الحقيقي هو الذي يسعى لإسعاد زوجته وتوفير حياة كريمة لها في حدود إمكانياته، وليس الذي يرهق نفسه بالديون والمظاهر الكاذبة لإرضاء المجتمع. كما دعا إلى ترسيخ القيم الدينية والأخلاقية في نفوس الشباب، وتوعيتهم بأهمية الزواج كمؤسسة مقدسة تقوم على الحب والاحترام المتبادل.

مبادرات بقرى الصعيد والريف

أشاد الدكتور العماري بالمبادرات التي ظهرت في بعض القرى بالصعيد والأرياف، حيث اتفق الأهالي على إلغاء بعض مظاهر البذخ مثل تقليل الأجهزة والمفروشات والذهب. واعتبر أن هذه المبادرات هي خطوة إيجابية نحو إعادة الزواج إلى مقصده النبيل كرباط مقدس يحقق السكينة والبركة. وأكد أن توعية الكبار والمشايخ هي السبيل لمواجهة هذه الظواهر السلبية، وتشجيعهم على تبني هذه المبادرات وتعميمها في جميع أنحاء البلاد. إن تغيير ثقافة المجتمع وتوعية الشباب بأهمية الزواج المبني على القيم والأخلاق هو الحل الأمثل لمواجهة هذه المشكلة الخطيرة.