هل العملات الورقية من الأجناس الربوية؟.. يسري جبر يجيب

تعتبر مسألة تكييف العملات الورقية ضمن أحكام الشريعة الإسلامية من المسائل المعاصرة التي أثارت جدلاً واسعاً بين العلماء والباحثين. فهل تخضع العملات الورقية لأحكام الربا، وبالتالي يجب التعامل بها وفق ضوابط محددة؟ يجيب على هذا السؤال الدكتور يسري جبر، أحد أبرز علماء الشريعة الإسلامية المعاصرين، من خلال رؤيته المستندة إلى أصول الفقه ومقاصد الشريعة. بدايةً، يجب فهم أن الربا في الشريعة الإسلامية ينقسم إلى قسمين رئيسيين: ربا الفضل وربا النسيئة. ربا الفضل يتعلق ببيع جنسين متحدين مع زيادة في أحدهما على الآخر، بينما ربا النسيئة يتعلق بتأخير القبض في بيع جنسين متحدين. والسؤال المطروح هو: هل العملات الورقية تدخل ضمن هذه الأجناس الربوية التي وردت في النصوص الشرعية؟

يرى الدكتور يسري جبر أن العملات الورقية، على الرغم من أنها لا تدخل ضمن الأجناس الربوية المنصوص عليها في السنة النبوية (كالذهب والفضة والتمر والشعير والملح)، إلا أنها تأخذ حكمها بالعلة. والعلة هنا هي الثمنية، أي كونها أثماناً للأشياء وقيمتها المتعارف عليها بين الناس. فكما أن الذهب والفضة كانا يستخدمان كأثمان في الماضي، فإن العملات الورقية تقوم بنفس الدور في العصر الحديث. وبالتالي، فإن التعامل بالعملات الورقية يجب أن يخضع لنفس الضوابط التي تخضع لها الأجناس الربوية الأخرى، وذلك سداً للذرائع ومنعاً لوقوع الربا. وهذا يعني أنه لا يجوز بيع عملة ورقية بعملة ورقية أخرى من نفس الجنس مع زيادة في أحدهما على الآخر (ربا الفضل)، كما لا يجوز تأخير القبض في بيع عملة ورقية بعملة ورقية أخرى من نفس الجنس (ربا النسيئة).

ويوضح الدكتور جبر أن هذا الحكم لا يعني تحريم التعامل بالعملات الورقية مطلقاً، بل يعني وجوب الالتزام بضوابط محددة عند التعامل بها. فمثلاً، يجوز بيع عملة ورقية بعملة ورقية أخرى من جنس مختلف دون التقيد بالتساوي، ولكن بشرط التقابض الفوري. أي يجب تسليم العملتين في مجلس العقد نفسه. أما إذا كان البيع بين عملتين من نفس الجنس، فيجب أن يكون بالتساوي والتقابض الفوري. وهذا ما يعرف بـ "الصرف". ويستدل الدكتور جبر على هذا الحكم بالقياس على الذهب والفضة، حيث يجوز بيع الذهب بالفضة مع التفاضل بشرط التقابض الفوري، ولا يجوز بيع الذهب بالذهب إلا بالتساوي والتقابض الفوري. وينبه الدكتور جبر إلى أن هذه الأحكام تهدف إلى تحقيق العدالة والمساواة في التعاملات المالية، ومنع استغلال حاجة الناس وتحقيق الأرباح غير المشروعة.

إضافة إلى ذلك، يؤكد الدكتور يسري جبر على أهمية فهم مقاصد الشريعة الإسلامية في التعاملات المالية. فالشريعة الإسلامية تهدف إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وإلى تحقيق العدل والمساواة بين الناس. وعند تطبيق أحكام الشريعة على العملات الورقية، يجب مراعاة هذه المقاصد وعدم الاقتصار على النصوص الظاهرة. فمثلاً، إذا كان التعامل بالعملات الورقية بطريقة معينة يؤدي إلى استغلال حاجة الناس وتحقيق أرباح غير مشروعة، فإن الشريعة الإسلامية تحرم هذا التعامل حتى لو لم يكن مخالفاً للنصوص الظاهرة. وهذا ما يعرف بـ "سد الذرائع"، وهو منع الوسائل التي تؤدي إلى المحرمات. ويرى الدكتور جبر أن تطبيق هذه القاعدة مهم جداً في التعامل مع العملات الورقية، لأنها تتعرض للتقلبات والتغيرات المستمرة، مما قد يؤدي إلى ظهور معاملات ربوية مستترة.

في الختام، يرى الدكتور يسري جبر أن العملات الورقية تأخذ حكم الأجناس الربوية بالعلة، وبالتالي يجب التعامل بها وفق ضوابط محددة لمنع الوقوع في الربا. ويؤكد على أهمية الالتزام بالتقابض الفوري عند بيع العملات الورقية ببعضها البعض، وعلى ضرورة مراعاة مقاصد الشريعة الإسلامية في التعاملات المالية. كما ينبه إلى خطورة استغلال حاجة الناس وتحقيق الأرباح غير المشروعة، ويدعو إلى تطبيق قاعدة سد الذرائع لمنع ظهور معاملات ربوية مستترة. وبذلك، يمكن للمسلمين التعامل بالعملات الورقية بطريقة شرعية تحقق مصالحهم وتتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية السمحة.