كثيراً ما نربط النجاح في عالم التكنولوجيا بالمهارات التقنية الصلبة، كالبرمجة، وتحليل البيانات، والهندسة. لكن ستيف جوبز، مؤسس شركة "أبل"، كان يرى أبعد من ذلك بكثير. كان يعتقد أن هناك مهارة أخرى، غالباً ما يتم تجاهلها في سياق التعليم التقليدي، تلعب دوراً حاسماً في تحقيق النجاح، ليس فقط في مجال التكنولوجيا، بل في كل جوانب الحياة. هذه المهارة هي الإبداع، وتحديداً الإبداع الذي يتغذى على الفنون، وعلى رأسها الموسيقى. جوبز لم يخفِ أبداً تقديره العميق للموسيقى، بل كان يرى فيها مصدراً للإلهام والابتكار، وقوة دافعة وراء تصميم منتجات "أبل" الثورية.
وفقاً لتصريحات منسوبة إليه، كان جوبز يؤمن بأن الموسيقى لا تعلم فقط العزف على آلة موسيقية، بل تعلم أيضاً الانضباط، والصبر، والقدرة على التفكير النقدي. إن تعلم الموسيقى يتطلب ممارسة مستمرة، ومواجهة التحديات، وتجاوز الأخطاء.
هذه العملية، في حد ذاتها، تنمي لدى الطفل روح المثابرة، وهي صفة أساسية لتحقيق النجاح في أي مجال. بالإضافة إلى ذلك، الموسيقى تعلم الطفل التعاون، خاصة إذا كان جزءاً من فرقة موسيقية أو أوركسترا. يتعلم الطفل كيف يستمع إلى الآخرين، وكيف يتفاعل معهم، وكيف يعمل كجزء من فريق لتحقيق هدف مشترك.
هذه المهارات الاجتماعية ضرورية للنجاح في الحياة المهنية والشخصية.
الأمر لا يتعلق فقط بتعلم العزف على آلة موسيقية. الأمر يتعلق بتنمية التقدير الجمالي لدى الطفل.
الموسيقى تساعد الطفل على رؤية العالم بمنظور مختلف، وعلى تقدير الجمال في التفاصيل الصغيرة. هذا التقدير الجمالي يمكن أن يترجم إلى إبداع في مجالات أخرى، مثل التصميم، والكتابة، وحتى حل المشكلات التقنية. عندما يواجه الطفل مشكلة معقدة، قد يكون قادراً على التفكير خارج الصندوق، وإيجاد حلول مبتكرة لم تخطر ببال الآخرين. هذا هو بالضبط ما كان يميز ستيف جوبز عن غيره من رواد التكنولوجيا. كان لديه رؤية فنية فريدة، وقدرة على تحويل الأفكار المجردة إلى منتجات ملموسة، وجميلة، وسهلة الاستخدام.
لا شك أن هناك العديد من العوامل الأخرى التي تساهم في نجاح الطفل، مثل الذكاء، والاجتهاد، والدعم العائلي. لكن الإبداع، وتحديداً الإبداع الذي يتغذى على الفنون، يمكن أن يكون بمثابة المحفز الذي يدفع الطفل إلى تحقيق أقصى إمكاناته. لذا، بدلاً من التركيز فقط على المواد الدراسية التقليدية، يجب علينا أيضاً أن نشجع أطفالنا على استكشاف عالم الفنون، سواء كان ذلك من خلال الموسيقى، أو الرسم، أو النحت، أو أي شكل آخر من أشكال التعبير الإبداعي. يجب أن نوفر لهم الفرص لتعلم مهارات جديدة، وتجربة أشياء مختلفة، واكتشاف مواهبهم الكامنة. قد يكون هذا هو المفتاح لنجاحهم في المستقبل.
في الختام، يمكن القول أن رؤية ستيف جوبز حول أهمية الموسيقى والإبداع في تحقيق النجاح لا تزال ذات صلة حتى اليوم. في عالم يتسم بالتغير السريع والمنافسة الشديدة، يحتاج أطفالنا إلى أكثر من مجرد مهارات تقنية. يحتاجون إلى
القدرة على التفكير الإبداعي، وحل المشكلات بطرق مبتكرة، والتواصل بفعالية مع الآخرين.
هذه المهارات لا يمكن تعلمها فقط من الكتب والمحاضرات. إنها تتطلب تجربة عملية، وممارسة مستمرة، وتنمية للتقدير الجمالي. لذا، دعونا نستلهم من ستيف جوبز، ونشجع أطفالنا على استكشاف عالم الفنون، ليكتشفوا بأنفسهم القوة الكامنة في الإبداع.