في الوقت الذي كانت فيه أنظار كثيرين منصرفة عن البورصة المصرية بسبب تداعيات كورونا والحروب الإقليمية وحالة عدم الاستقرار الاقتصادي، كان هناك رجال أعمال مصريون وعرب يمتلكون نظرة مختلفة وحسابات دقيقة. هؤلاء الكبار لم يروا في تراجع السوق سوى فرصة استثمارية ذهبية، فاستغلوا الهبوط الكبير في أسعار الأسهم لبناء مراكز مالية قوية، جعلت ثرواتهم تتضاعف بمجرد أن بدأت السوق في التعافي مجددًا. هذه القصة ليست مجرد سرد لأرقام وإحصائيات، بل هي شهادة على قوة الرؤية الاستثمارية والقدرة على اقتناص الفرص في أحلك الظروف. إنها قصة رجال استطاعوا تحويل الأزمة إلى منحة، وحولوا الخسائر المحتملة إلى أرباح طائلة، ليثبتوا أن البورصة ليست مجرد مكان للمضاربات السريعة، بل هي أرض خصبة لبناء الثروات على المدى الطويل.

 

خالد عبد الله: التنويع المدروس مفتاح النجاح

على رأس هؤلاء يأتي رجل الأعمال خالد عبد الله، الذي استطاع أن يكون واحدة من أكبر المحافظ الاستثمارية في السوق المصري، من خلال استثمارات في 10 شركات مدرجة موزعة بذكاء بين قطاعات الصحة والأدوية والسياحة والفنادق والخدمات المالية والأغذية والمنسوجات. لم يكن اختيار القطاعات عشوائيًا، بل قائمًا على رؤية مدروسة لاحتياجات السوق وقدرة هذه الصناعات على التعافي وتحقيق النمو مع مرور الوقت. تقدر ثروة خالد عبد الله من هذه الاستثمارات بنحو 7.2 مليار جنيه، وهو ما يعكس حجم النجاح الذي حققه من خلال سياسة التنويع والاستثمار طويل الأجل في البورصة. إن استراتيجية خالد عبد الله تمثل نموذجًا يحتذى به للمستثمرين الطموحين، حيث يظهر كيف يمكن للتنويع المدروس في القطاعات الواعدة أن يحقق عوائد استثمارية ضخمة على المدى الطويل. فبدلًا من التركيز على قطاع واحد، قام بتوزيع استثماراته على مجموعة متنوعة من القطاعات، مما قلل من المخاطر وزاد من فرص النمو.

 

جمال الجارحي: إعادة التوظيف الذكي للأصول

أما رجل الأعمال جمال الجارحي، فقد أعاد توظيف حصيلة بيع شركته السويس للصلب، واختار بعناية شركات مثل سيراميكا الجوهرة والنساجون الشرقيون والمطورون العرب القابضة والمصريين للإسكان. "الجارحي"، أدرك أن القطاعات العقارية والسلع المعمرة تمثل فرصًا واعدة في ظل الاحتياج الدائم للسكن والمنتجات الاستهلاكية، وهو ما جعله يراكم ثروة تقدر حاليًا بأكثر من مليار جنيه من استثمارات البورصة فقط. قصة جمال الجارحي تجسد أهمية إعادة التوظيف الذكي للأصول، فبدلًا من الاحتفاظ بسيولة نقدية، قام باستثمارها في قطاعات واعدة تحقق نموًا مستمرًا. كما يظهر كيف يمكن لفهم احتياجات السوق والتوقعات المستقبلية أن يساهم في تحقيق عوائد استثمارية كبيرة. إن استراتيجيته تعتمد على اختيار الشركات التي تتمتع بمكانة قوية في السوق ولديها القدرة على النمو والتوسع في المستقبل.

 

نجوم "شارك تانك" ورواد الأعمال يدخلون البورصة

على نفس النهج، دخل أحمد طارق خليل، أحد أبرز وجوه برنامج "شارك تانك"، ليستثمر في أسهم شركتي أجواء والمطورون العرب القابضة، معتمدًا على خبرته في تقييم الفرص سريعة النمو. كذلك فعل محمد أشرف عمر، رئيس شركة كونكورد للاستثمار والتنمية، الذي أعاد تشكيل محفظته بالرهان على يوتوبيا ومصر للأسمنت قنا، ما رفع من قيمة استثماراته إلى قرابة 813 مليون جنيه، مؤكدًا أن حسن اختيار التوقيت والقطاعات هو أساس النجاح في البورصة. هذه الأمثلة تظهر كيف يمكن لرواد الأعمال وأصحاب الخبرة في تقييم الشركات الناشئة أن يستفيدوا من خبراتهم في البورصة، وذلك من خلال اختيار الشركات التي تتمتع بإمكانيات نمو عالية ولديها القدرة على تحقيق عوائد استثمارية كبيرة. إن دخول هؤلاء المستثمرين إلى البورصة يمثل إضافة قيمة للسوق، حيث يساهمون في توجيه الاستثمارات إلى الشركات الواعدة ويساعدون في تعزيز النمو الاقتصادي.

 

أبو هشيمة والمستثمر السعودي: رؤى مختلفة ونجاح مشترك

أما أحمد أبو هشيمة فاختار أن يدخل البورصة لأول مرة من خلال شركة بلتون المالية القابضة، إذ ضخ مليار جنيه لشراء 10% من الشركة، ثم قلص حصته إلى 5% بعد تضاعف قيمة استثماراته لتصل إلى نحو 1.8 مليار جنيه. كانت هذه الخطوة جزءًا من خطة أبو هشيمة لإعادة هيكلة محفظته المالية والتركيز على قطاعات تدر عوائد أسرع وأكثر استقرارًا. لم يكن المصريون وحدهم في هذه اللعبة الذكية، فالمستثمر السعودي فهد الحرقان قرر اقتحام السوق المصري، مستحوذًا على حصص مؤثرة في شركات برايم القابضة، العامة للصوامع، مطاحن مصر العليا، بالإضافة إلى استثمار غير معلن في شركة ريكاب، محققًا ثروة تقارب 650 مليون جنيه من السوق المصري وحده. إن دخول مستثمرين من جنسيات مختلفة إلى البورصة المصرية يعكس الثقة في الاقتصاد المصري وإمكاناته المستقبلية. كما يساهم في تنويع مصادر الاستثمار وتعزيز النمو الاقتصادي.

 

تجربة هؤلاء الكبار تعكس بوضوح أن البورصة ليست ملعبًا للمضاربين فقط، بل هي آلية حقيقية وفعالة لبناء الثروات على المدى الطويل، بشرط امتلاك الرؤية والجرأة على استغلال الأزمات كفرص استثمارية لا تتكرر كثيرًا، والدرس الأهم أن التوقيت، والتنويع، والتمسك بالقطاعات الواعدة، هي مفاتيح الثروة التي يدركها جيدًا من يعرف كيف "يحسِبها صح" في عالم المال والاستثمار. إن هذه القصص الملهمة تبعث برسالة أمل للمستثمرين الطموحين، وتؤكد أن النجاح في البورصة ليس حكرًا على فئة معينة، بل هو متاح لكل من يمتلك الرؤية والجرأة والعزيمة على تحقيق أهدافه الاستثمارية.