دار الإفتاء المصرية: لا مانع شرعي في تأجيل الإنجاب بالتراضي

موقف الشرع من تأجيل الإنجاب

أكد الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أنه لا يوجد مانع شرعي من أن يتفق الزوجان في بداية حياتهما الزوجية على تأجيل الإنجاب لفترة زمنية معينة، سواء كانت سنة أو سنتين أو حتى ثلاث سنوات. وشدد على أن هذا الاتفاق يجب أن يكون مبنيًا على رغبة مشتركة بين الطرفين، وأن يكون الهدف منه هو ترتيب الأولويات الحياتية أو الاستعداد النفسي والمادي لاستقبال الأطفال. هذا التصريح يوضح مرونة الشريعة الإسلامية في التعامل مع القضايا المستجدة، مع مراعاة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها الناس.

تغيرات الحياة وتأثيرها على قرار الإنجاب

أوضح الشيخ عويضة أن الواقع المعاصر يختلف بشكل كبير عن الماضي، حيث أصبحت الحياة أكثر تعقيدًا وتطلبات الأبناء أكثر تنوعًا. وأشار إلى أن الأبناء في هذا العصر يحتاجون إلى تعليم جيد، وترفيه مناسب، ورعاية صحية متكاملة، وكل هذه الأمور تتطلب ميزانية كبيرة وتُثقل كاهل الأسرة. هذا الأمر يدفع الكثير من الأزواج إلى التفكير مليًا قبل اتخاذ قرار الإنجاب، ومحاولة التخطيط للمستقبل بشكل أفضل. وأضاف أن التفكير في هذه الجوانب ليس ضعفًا في الإيمان، بل هو من باب المسؤولية وحسن التدبير.

التوكل على الله والتخطيط للمستقبل

أكد أمين الفتوى أن تأجيل الإنجاب لا يتعارض مع مبدأ التوكل على الله، ولا ينفي الإيمان بأن كل مولود يأتي برزقه. وأوضح أن التوكل على الله لا يعني التواكل، بل يعني بذل الأسباب المشروعة والسعي في الأرض، مع الاعتماد على الله في تحقيق النتائج. وأشار إلى أن التفكير في تنظيم الحياة واتخاذ قرارات مدروسة هو من حسن التدبير وليس من ضعف الإيمان. واستشهد بقول الله تعالى: ﴿وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها﴾، ليؤكد أن الرزق مكفول لكل مخلوق، ولكن يجب على الإنسان أن يسعى ويكدح لتحصيله.

التراضي بين الزوجين هو الأساس

أكد الشيخ عويضة أن الأساس في قرار تأجيل الإنجاب هو التراضي بين الزوجين. فإذا اتفق الزوجان على التأجيل، فلا حرج في ذلك، بل قد يكون هذا القرار أكثر ملاءمة للظروف الاجتماعية والمادية التي يمر بها بعض الشباب في بداية الزواج. وشدد على أن هذا الأمر ليس قاعدة عامة تُفرض على الناس، وإنما هو قرار فردي يُتخذ بحسب ظروف كل أسرة واحتياجاتها. وأضاف أن الهدف من التأجيل قد يكون هو التهيئة النفسية أو المادية، أو حتى الاستمتاع بفترة الزواج الأولى، وهذا كله جائز شرعًا ما دام القرار مبنيًا على التفاهم والاحترام المتبادل بين الزوجين.

أهمية التفاهم والمسؤولية في الحياة الزوجية

في الختام، يظهر من تصريحات دار الإفتاء المصرية أن الإسلام دين يراعي مصالح الناس ويتعامل مع قضاياهم بواقعية ومرونة. ففي مسألة تأجيل الإنجاب، لا يوجد تحريم قاطع، بل الأمر متروك لتقدير الزوجين وظروفهما. الأهم هو أن يكون القرار مبنيًا على التفاهم والتشاور والمسؤولية، وأن يكون الهدف منه هو بناء أسرة سعيدة ومستقرة قادرة على مواجهة تحديات الحياة. إن هذه المرونة في الفتوى تعكس حرص دار الإفتاء على تقديم النصح والإرشاد للمسلمين بما يتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية السمحة.