في برنامج "بلاغة القرآن والسُنة" المذاع على قناة الناس الفضائية، تم تسليط الضوء على دقة اختيار الألفاظ في القرآن الكريم، وكيف أن هذا الاختيار ليس مجرد بلاغة لغوية، بل هو تأديب إلهي رفيع. أحد الأمثلة التي تم تناولها هو استخدام لفظ "فضل" بدلًا من "تجارة" عند الحديث عن الرزق في موسم الحج. هذا الاختيار يحمل معاني أعمق من مجرد التعبير عن الكسب المادي. فكلمة "فضل" تشير إلى العطاء الإلهي الواسع والشامل، الذي يتجاوز حدود البيع والشراء المادي. إنها دعوة للتأمل في كرم الله وجوده، الذي يفيض على عباده من حيث لا يحتسبون. كما أن هذا الاختيار اللغوي يؤكد على أن الرزق ليس مجرد نتيجة للمعاملات التجارية، بل هو منحة إلهية تستوجب الشكر والتقدير. إن استخدام لفظ "فضل" يربي النفوس على التعلق بالله وحده، والاعتماد عليه في طلب الرزق، مع الأخذ بالأسباب المشروعة.

 

السعي في طلب الرزق أثناء الحج: رحمة وتيسير

القرآن الكريم لم يمنع السعي في طلب الرزق أثناء موسم الحج، بل فتح الباب واسعًا حتى لمن لا يملك مالًا. فقد أباح له أن يعمل ويؤجر نفسه، فيكسب رزقه بالحلال ويؤدي مناسكه. وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة بعمقها في قوله تعالى: "فضلًا من ربكم". فالفضل أوسع من أن يُحصر في البيع والشراء. إنه يشمل كل أنواع الكسب الحلال، سواء كانت تجارة أو صناعة أو زراعة أو أي عمل آخر مشروع. إن هذا التيسير الإلهي يعكس رحمة الله بعباده، وحرصه على أن يتمكنوا من أداء مناسك الحج دون عناء أو مشقة. كما أنه يؤكد على أهمية العمل والكسب الحلال في الإسلام، وأنهما لا يتعارضان مع العبادة والطاعة. فالحاج يمكنه أن يجمع بين الأمرين، وأن يتقرب إلى الله بالعبادة والعمل الصالح.

 

مشهد الإفاضة من عرفات: رمزية يوم الحشر

حول مشهد الوقوف بعرفات، أوضح رئيس جامعة الأزهر أن القرآن ركّز على لحظة الإفاضة من عرفات، ولم يذكر لحظة الصعود إليها رغم عظمتها. والسبب في ذلك هو أن الناس يفدون إلى عرفات في أوقات متفرقة، أما الإفاضة فتكون جماعية عند غروب الشمس. وفي هذا المشهد ما يرمز إلى مشهد الحشر يوم القيامة، حيث ينساب الحجيج في جموع موحدة كما ينسل البشر من قبورهم في يوم البعث. إن هذا المشهد المهيب يذكر الإنسان بضعفه وحاجته إلى رحمة الله، ويدعوه إلى التوبة والاستغفار. كما أنه يعزز قيم الوحدة والتآخي بين المسلمين، الذين يجتمعون من كل أنحاء العالم في مكان واحد، متجردين من كل الفوارق والاعتبارات الدنيوية. إن مشهد الإفاضة من عرفات هو تجسيد حي لمعاني الإسلام السمحة، وقيمه الإنسانية النبيلة.

 

بلاغة القرآن والسنة: هداية وإرشاد

إن برنامج "بلاغة القرآن والسُنة" يهدف إلى إبراز جماليات اللغة العربية في القرآن الكريم والسنة النبوية، وكيف أن هذه الجماليات تحمل معاني عميقة ورسائل هادفة. فالقرآن الكريم ليس مجرد كتاب تشريع وأحكام، بل هو كتاب هداية وإرشاد، يتضمن قصصًا وعبرًا وحكمًا ومواعظ. والسنة النبوية هي الشرح والتفسير العملي للقرآن الكريم، وهي تتضمن أقوالًا وأفعالًا وتقريرات النبي صلى الله عليه وسلم. إن دراسة بلاغة القرآن والسنة تساعد على فهم مقاصد الشريعة الإسلامية، والتعرف على قيمها وأخلاقها. كما أنها تساهم في تنمية الذوق اللغوي، وتعزيز القدرة على التعبير والإبداع. إن الاهتمام ببلاغة القرآن والسنة هو اهتمام بجوهر الإسلام وروحه، وهو سبيل إلى تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة.

 

الفضل الإلهي: عطاء مستمر ورحمة واسعة

إن الله تعالى هو المنعم المتفضل على عباده، وهو الذي يرزقهم من حيث لا يحتسبون. وفضله ليس مقتصرًا على الرزق المادي، بل يشمل كل أنواع النعم، من الصحة والعافية والأمن والاستقرار والعلم والإيمان. إن الله تعالى يحب أن يشكر عباده على نعمه، وأن يذكروه في كل وقت وحين. والشكر هو الاعتراف بالنعمة ونسبتها إلى المنعم، واستخدامها في طاعته ومرضاته. إن من شكر الله على نعمه أن يسعى في طلب الرزق الحلال، وأن ينفق منه على الفقراء والمساكين والمحتاجين. كما أن من شكر الله أن يتقرب إليه بالعبادات والطاعات، وأن يجتنب المعاصي والمنكرات. إن الفضل الإلهي هو عطاء مستمر ورحمة واسعة، تستوجب الشكر والتقدير والعمل الصالح.