كاشغر، أو كاشي كما تعرف أيضاً، مدينة حدودية تقع في مقاطعة شينجيانج الصينية بالقرب من قيرغيزستان وطاجيكستان وأفغانستان وباكستان. تبعد حوالي 1400 كيلومتر عن أورومتشي، عاصمة المقاطعة، وتتميز بتاريخها العريق وموقعها الاستراتيجي على طريق الحرير القديم. هذه المدينة ليست مجرد نقطة عبور، بل هي مزيج فريد من الثقافات والتجارة، حيث تلتقي فيها الحضارات وتتلاقى التقاليد. تُعتبر كاشغر مهد حضارة الإيجور، وهي المجموعة العرقية التي تشكل جزءاً كبيراً من سكان المنطقة. رغم أن أورومتشي هي العاصمة السياسية لشينجيانج، إلا أن كاشغر كانت القلب التاريخي لحكم الإيجور، حيث ازدهرت فنونهم وآدابهم وتجارتهم وثقافتهم ودينهم. اليوم، تسعى كاشغر للحفاظ على هذا التراث الغني مع تبني التطورات الحديثة، مما يجعلها مدينة فريدة تجمع بين الماضي والحاضر.
المدينة القديمة: نافذة على التاريخ
تُعتبر مدينة كاشي القديمة من أبرز المعالم السياحية في كاشغر. بمجرد دخولك إلى بواباتها، تنقلك الاستعراضات الراقصة إلى عالم آخر، حيث تتجسد ثقافة الإيجور المسلمين وتاريخ المدينة العريق. يقدم الراقصون عروضاً يومية بملابس تقليدية ملونة، تعكس ثراء وتنوع هذه الثقافة. تمتد المدينة القديمة على مساحة كيلومترين مربعين تقريباً، وقد شهدت تغييرات كبيرة في السنوات الأخيرة، خاصة بعد مشروع إعادة الإعمار الذي بدأ في عام 2009. هدف هذا المشروع إلى تحديث المنطقة سياحياً، وتحسين ظروف معيشة السكان المحليين، ومعالجة مخاوف السلامة في حال وقوع زلازل. بعد زلزال ونتشوان في عام 2008، أولت الحكومة المحلية اهتماماً خاصاً بإعادة تأهيل المدينة القديمة، حيث تم تجديد منازل ما يقرب من 2000 أسرة باستثمار تجاوز 7 مليارات يوان. هذه الجهود لم تحافظ فقط على الطابع التاريخي للمدينة، بل ساهمت أيضاً في توفير حياة أفضل لسكانها.
أسواق كاشي: نبض الحياة
تشتهر كاشغر بأسواقها المفعمة بالحياة، والتي تفتح أبوابها حتى الساعات الأولى من الصباح. هذه الأسواق هي قلب المدينة النابض، حيث يمكنك أن تجد كل شيء من الأطعمة الشهية والتوابل المميزة إلى الحرف اليدوية والمنسوجات التقليدية. شوارعها الصاخبة مليئة بأكشاك بيع الطعام، وتعج برائحة الأكلات المحلية التي لا تجدها في أي مكان آخر في الصين. بائعو الخبز يعرضون منتجاتهم الطازجة، والحرفيون يعرضون مهاراتهم في صناعة الفخار والمنسوجات. داخل أزقة الأسواق، ترى أهل المدينة وهم يرتدون زيهم الخاص الملون بألوان زاهية، مما يعكس طبيعة المدينة الخاصة. تُعتبر ثقافة البازار في كاشغر مثيرة للإعجاب، وبعد تجديدها، أصبحت المدينة القديمة مثالاً بارزًا على ذلك، حيث تُمثل شاهدًا على الحرف والفنون الشعبية النابضة للأويجور. من بين أشهر هذه الأسواق: بازار كانتومان (شارع الحدادة)، وبازار دوبا (شارع الزهور والقبعات)، وبازار أواني الزهور، وبازار الذواقة، وبازار الحرف اليدوية، وبازار الفخار. هذه الأسواق ليست مجرد أماكن للتسوق، بل هي مراكز اجتماعية وثقافية، حيث يلتقي الناس ويتبادلون الأحاديث ويتشاركون الخبرات.
مسجد إد كاه: تحفة معمارية
من بين أبرز المعالم السياحية في كاشغر، يبرز مسجد إد كاه كتحفة معمارية فريدة. يُعتبر هذا المسجد أكبر مسجد في الصين، حيث تبلغ مساحته 16,800 متر مربع، ويتسع لمئات المصلين. يتميز المسجد بتصميمه المعماري الفريد، الذي يتكون من حوالي 140 عمودًا. في داخل المسجد، توجد سجادة حائط يعلوها رسومات لـ 56 زهرة، تمثل الجماعات العرقية المختلفة في الصين. هذا المسجد ليس مجرد مكان للعبادة، بل هو رمز للتنوع الثقافي والوحدة الوطنية في الصين. يؤدي المسلمون في كاشغر الصلوات الخمس في هذا المسجد، بالإضافة إلى صلوات الأعياد والتراويح في رمضان. يعتبر المسجد أيضًا وجهة سياحية مهمة، حيث يزوره السياح من جميع أنحاء العالم للاستمتاع بجماله المعماري والتعرف على تاريخه العريق. إمام المسجد، محمد جمعة، أكد أن المسجد يستقبل الزوار من جميع الخلفيات، وأن الهدف هو تعزيز التفاهم والاحترام بين الثقافات المختلفة.
كاشغر: مستقبل واعد
كاشغر اليوم تقف على عتبة مستقبل واعد، مع اكتسابها أهمية متزايدة يوماً بعد يوم. جهود التحديث والتطوير التي تشهدها المدينة تهدف إلى الحفاظ على تراثها الثقافي مع تبني التطورات الحديثة. الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية والسياحة تساهم في تحسين مستوى معيشة السكان المحليين وتعزيز مكانة المدينة كمركز تجاري وثقافي على طريق الحرير الجديد. كاشغر ليست مجرد مدينة حدودية، بل هي نقطة التقاء بين الشرق والغرب، ومثال على التنمية المستدامة التي تحترم التقاليد وتحتضن المستقبل. الزائر إلى كاشغر يجد نفسه أمام مدينة تنبض بالحياة، وتحكي قصصاً من الماضي، وتتطلع إلى مستقبل مشرق. إنها حقاً ياقوتة الصين، ومهد الإيجور، ومركز التجارة والثقافة على طريق الحرير.