كشفت دراسة حديثة عن التأثير الكبير لبرامج التطعيم الطارئة في خفض معدلات الوفيات والإصابات الناتجة عن الأمراض المعدية. الدراسة، التي نشرت نتائجها مؤخرًا، تشير إلى أن هذه البرامج ساهمت في خفض الوفيات بنحو 60% على مستوى العالم خلال فترة 23 عامًا، وذلك في 49 دولة. بالإضافة إلى ذلك، يعتقد الباحثون أن التطعيمات منعت عددًا مماثلًا من الإصابات، مما يؤكد على أهمية هذه التدخلات الصحية في حماية المجتمعات من الأمراض الفتاكة. وتركز الدراسة على تأثير برامج التطعيم الطارئة التي تم تنفيذها استجابة لتفشي خمسة أمراض معدية رئيسية، وهي الإيبولا، والحصبة، والكوليرا، والحمى الصفراء، والتهاب السحايا. هذه الأمراض تشكل تهديدًا كبيرًا للصحة العامة، خاصة في الدول النامية، وتفشيها يمكن أن يؤدي إلى أزمات صحية وإنسانية واسعة النطاق.
تعد هذه الدراسة أول تقييم شامل لتأثير برامج التطعيم الطارئة استجابة لتفشي هذه الأمراض الخمسة. قام الباحثون بتحليل بيانات من 210 حادثة مختلفة وقعت بين عامي 2000 و 2023، وشملت 49 دولة مختلفة. وأظهرت النتائج أن حملات التطعيم لم تقتصر على خفض الوفيات والإصابات فحسب، بل حققت أيضًا فوائد اقتصادية كبيرة. حيث قدرت قيمة هذه الفوائد بنحو 32 مليار دولار، وهي ناتجة بشكل أساسي عن تجنب الوفيات وفقدان سنوات العمر بسبب الإعاقة. هذا يؤكد على أن الاستثمار في برامج التطعيم ليس مجرد استثمار في الصحة العامة، بل هو أيضًا استثمار في التنمية الاقتصادية والاجتماعية
الفائدة الاقتصادية المقدرة البالغة 32 مليار دولار تعتبر أقل بكثير من المدخرات الإجمالية المحتملة. هذا التقدير لا يأخذ في الاعتبار التكاليف المرتبطة بالتعامل مع تفشي الأمراض على نطاق أوسع، أو الاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن حالات الطوارئ الصحية الأكثر خطورة. على سبيل المثال، يعتقد أن تفشي فيروس إيبولا في عام 2014، والذي حدث قبل وجود لقاح معتمد، كلف دول غرب أفريقيا وحدها أكثر من 53 مليار دولار. هذا يوضح التكلفة الباهظة التي يمكن أن تتكبدها المجتمعات في حالة عدم وجود استجابة تطعيم فعالة وسريعة لتفشي الأمراض المعدية. لذلك، فإن الاستثمار في تطوير وتوزيع اللقاحات يعتبر أمرًا بالغ الأهمية لحماية الصحة العامة والاقتصاد العالمي.
حظيت الدراسة بدعم من تحالف اللقاحات "جافي"، الذي كان مسؤولاً عن العديد من البرامج التي تم تحليلها في الدراسة. وتؤكد الدكتورة سانيا نشتر، الرئيسة التنفيذية للمنظمة، على أهمية عمليات طرح اللقاحات السريعة والفعالة. وتشير إلى أن الدراسة تظهر للمرة الأولى القدرة على قياس الفوائد الشاملة، من الناحية البشرية والاقتصادية، لنشر اللقاحات ضد تفشي بعض الأمراض المعدية الأكثر فتكاً. هذا يؤكد على الدور الحيوي الذي تلعبه المنظمات الدولية مثل "جافي" في دعم جهود التطعيم على مستوى العالم، وضمان حصول جميع المجتمعات، وخاصة تلك الأكثر ضعفًا، على اللقاحات التي تحتاجها.
بشكل عام، تقدم هذه الدراسة دليلًا قويًا على قوة اللقاحات كإجراء مضاد فعال من حيث التكلفة للمخاطر المتزايدة التي يواجهها العالم بسبب تفشي الأمراض المعدية. في ظل التغيرات المناخية وزيادة حركة السكان، أصبح العالم أكثر عرضة لتفشي الأمراض المعدية، مما يجعل الاستثمار في برامج التطعيم أكثر أهمية من أي وقت مضى. يجب على الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني العمل معًا لضمان تطوير وتوزيع اللقاحات بشكل عادل وفعال، لحماية الصحة العامة والاقتصاد العالمي من التهديدات التي تشكلها الأمراض المعدية. التطعيمات تنقذ الأرواح وتحمي المجتمعات.