أكدت المحكمة التأديبية في حيثيات حكمها الأخير على أن الحق في التعبير يُعد حقًا مقررًا أيضًا للموظف العام، وذلك في نطاق الوظيفة العامة. وأشارت المحكمة إلى أن هذا الحق يكتسب أهمية خاصة في الوقت الحالي، حيث أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية. وشددت المحكمة على أن ممارسة هذا الحق يجب أن تتم بضوابط، بحيث لا يمس سمعة أي من رؤسائه أو زملائه أو المتعاملين معه من الجمهور، ولا يتصل بأسرار الوظيفة. هذا الحكم يمثل تأكيدًا على أهمية حرية التعبير كحق أساسي، مع وضع إطار واضح يضمن عدم إساءة استخدامه أو استغلاله للإضرار بالآخرين أو بالصالح العام. إن التوازن بين حرية التعبير وواجبات الوظيفة العامة هو أمر بالغ الأهمية، ويتطلب فهمًا دقيقًا للحدود والمسؤوليات.

 

قضية طبيبة كفر الدوار: تجاوز حدود حرية التعبير

استندت المحكمة التأديبية في حكمها إلى قضية وسام شعيب طبيبة كفر الدوار، والتي نشرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي. رأت المحكمة أن الطبيبة "أطلقت لنفسها العنان" خلال هذه الفيديوهات، وعرضت "وقائع فردية لا يصح التعميم فيها ولا تمثل المجتمع المصري". كما أشارت المحكمة إلى أن الطبيبة استخدمت "ألفاظا وعبارات تخالف الآداب العامة والتقاليد الاجتماعية"، ولم تراع "خطورة ما صرحت به وأثره على السلم والأمن الاجتماعي". هذا الجزء من الحكم يوضح أن المحكمة لم تنكر حق الموظف العام في التعبير، ولكنها أكدت على ضرورة الالتزام بالآداب العامة والتقاليد الاجتماعية، وتجنب التعميمات المسيئة والتصريحات التي قد تضر بالسلم والأمن الاجتماعي. إن قضية طبيبة كفر الدوار تمثل مثالًا على كيفية تجاوز حدود حرية التعبير، وكيف يمكن أن يؤدي ذلك إلى المساءلة القانونية.

 

الضوابط والقيود على حرية التعبير للموظف العام

يستخلص من حكم المحكمة التأديبية مجموعة من الضوابط والقيود التي يجب على الموظف العام مراعاتها عند ممارسة حقه في التعبير، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي. أول هذه الضوابط هو عدم المساس بسمعة الرؤساء أو الزملاء أو المتعاملين. يجب على الموظف العام أن يتجنب أي تصريحات أو تعليقات قد تشوه سمعة الآخرين أو تسيء إليهم. ثانيًا، يجب عدم الكشف عن أسرار الوظيفة. المعلومات السرية التي يطلع عليها الموظف العام بحكم وظيفته يجب أن تظل سرية، ولا يجوز الإفصاح عنها للجمهور. ثالثًا، يجب الالتزام بالآداب العامة والتقاليد الاجتماعية. يجب على الموظف العام أن يتجنب استخدام الألفاظ النابية أو العبارات المسيئة أو التصريحات التي تخالف القيم والأخلاق السائدة في المجتمع. رابعًا، يجب تجنب التعميمات المسيئة. لا يجوز للموظف العام أن يعمم وقائع فردية أو حوادث معزولة، وأن يقدمها على أنها تمثل المجتمع بأكمله. خامسًا، يجب مراعاة أثر التصريحات على السلم والأمن الاجتماعي. يجب على الموظف العام أن يتجنب التصريحات التي قد تثير الفتنة أو تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية.

 

أهمية الموازنة بين حرية التعبير والمسؤولية

إن حكم المحكمة التأديبية يؤكد على أهمية الموازنة بين حق الموظف العام في التعبير عن رأيه، وبين مسؤوليته تجاه وظيفته والمجتمع. لا يجوز أن تكون حرية التعبير ذريعة للإساءة إلى الآخرين أو الإضرار بالصالح العام. يجب على الموظف العام أن يدرك أن وظيفته تتطلب منه الالتزام بقواعد سلوك معينة، وأن تصريحاته قد يكون لها تأثير كبير على صورته وصورة المؤسسة التي يعمل بها. لذلك، يجب عليه أن يتحلى بالحكمة والمسؤولية عند ممارسة حقه في التعبير، وأن يحرص على عدم تجاوز الحدود التي رسمها القانون والأخلاق. إن تحقيق هذه الموازنة يتطلب وعيًا كبيرًا من جانب الموظف العام، وتدريبًا مستمرًا على كيفية التعامل مع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

 

تأثير الحكم على مستقبل حرية التعبير للموظفين العموميين

من المتوقع أن يكون لحكم المحكمة التأديبية تأثير كبير على مستقبل حرية التعبير للموظفين العموميين في مصر. سوف يساهم هذا الحكم في توضيح الحدود والضوابط التي تحكم ممارسة هذا الحق، وسوف يشجع الموظفين على التحلي بالمسؤولية والحذر عند التعبير عن آرائهم، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي. كما قد يؤدي هذا الحكم إلى زيادة الوعي بأهمية الموازنة بين حرية التعبير وواجبات الوظيفة العامة، وسوف يشجع المؤسسات الحكومية على وضع سياسات وإجراءات واضحة لتنظيم استخدام الموظفين لوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. إن الهدف النهائي من هذا الحكم هو حماية حرية التعبير، مع ضمان عدم إساءة استخدامها أو استغلالها للإضرار بالآخرين أو بالصالح العام. إن تحقيق هذا الهدف يتطلب تعاونًا بين جميع الأطراف المعنية، من الموظفين العموميين إلى المؤسسات الحكومية إلى المجتمع المدني.