تعاني مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور في السودان، من تدهور مريع في الأوضاع الإنسانية، نتيجة للحصار الخانق الذي تفرضه قوات الدعم السريع واستمرار القصف المدفعي والهجمات بالطائرات المسيرة على المدنيين. هذا الوضع أدى إلى انعدام الأمن الغذائي وانهيار الخدمات الأساسية، مما يهدد حياة الآلاف من السكان، وخاصة الأطفال والنازحين. الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية تحذر من كارثة إنسانية وشيكة إذا لم يتم التدخل العاجل لتقديم المساعدات ووقف الأعمال العدائية.

 

تفشي سوء التغذية الحاد بين الأطفال

كشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) عن تفشي سوء التغذية الحاد بين الأطفال بصورة واسعة النطاق في مراكز الإيواء بمدينة الفاشر. تقييم أجرته المنظمة والسلطات المحلية أظهر أن 38% من الأطفال دون سن الخامسة في مواقع النزوح يعانون من سوء التغذية الحاد، منهم 11% يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم. هذا الوضع ينذر بخطر كبير على صحة الأطفال وقدرتهم على البقاء على قيد الحياة، خاصة مع انهيار خدمات المياه والصرف الصحي وانخفاض تغطية التطعيم، مما يزيد من خطر تفشي الأمراض المعدية. إن نقص الغذاء والمياه النظيفة، بالإضافة إلى الظروف المعيشية الصعبة في مراكز الإيواء، تزيد من تفاقم الوضع الصحي للأطفال وتجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض.

 

نزوح جماعي وتدهور الخدمات الأساسية

أجبر القتال والقصف العشوائي قرابة 782 ألف شخص على النزوح من الفاشر ومخيم زمزم جنوب غرب المدينة، حيث اجتاحت قوات الدعم السريع المخيم في أبريل، مما أدى إلى فرار 99% من النازحين فيه. هذا النزوح الجماعي أدى إلى زيادة الضغط على الموارد المحدودة المتاحة في المناطق التي نزح إليها السكان، مما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية. تفرض الدعم السريع حصارا خانقا على مدينة الفاشر، إذ تنشر قوات الدعم السريع مئات المقاتلين في الطرق المؤدية إلى الفاشر، لمنع وصول السلع والإغاثة والأدوية إلى المدينة التي شُيِّدت حولها خنادق عميقة لتشديد الحصار، وفقا لوسائل إعلام محلية. هذا الحصار يعيق وصول المساعدات الإنسانية ويمنع السكان من الحصول على الغذاء والدواء والخدمات الأساسية الأخرى.

 

أزمة مياه وصرف صحي

يواجه العالقون في الفاشر نقصاً حاداً في الغذاء والمياه النظيفة، كما تعطل عمل الأسواق، ودُمِّرت معظم البنية التحتية للمياه، فيما توقف عمل الباقي نظراً لنقص الوقود وعدم إجراء الصيانة. هذا الوضع يهدد بانتشار الأمراض المنقولة بالمياه، مثل الكوليرا والإسهال، والتي يمكن أن تكون قاتلة، وخاصة بالنسبة للأطفال. إن انهيار خدمات الصرف الصحي يزيد من خطر تلوث المياه وانتشار الأمراض، مما يجعل الوضع الصحي أكثر خطورة. الحاجة إلى توفير المياه النظيفة والصرف الصحي المناسب أمر بالغ الأهمية لمنع تفشي الأمراض وإنقاذ الأرواح.

 

أكثر من مليون نازح من الفاشر

أكدت منظمة الهجرة الدولية، ارتفاع أعداد النازحين من مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور إلى أكثر من مليون شخص. وقالت المنظمة في بيان إن 1.014.748 شخصًا جرى تهجيرهم من محلية الفاشر، بما يمثل أكثر من 10% من إجمالي النازحين داخليًا في السودان، وأشارت إلى أن أعداد الذين فرّوا من مدينة الفاشر ومخيم زمزم وصلت إلى 718.998 شخصًا، بما يعادل 155.602 أسرة. وكشفت عن نزوح 99% من سكان مخيم زمزم الواقع على بُعد 12 كيلو مترًا جنوب غرب الفاشر، بعدد أفراد بلغ 498.955 شخصًا، منهم 436.685 فردًا فرّوا إلى 26 موقعًا في أربع ولايات. هذه الأرقام المروعة تعكس حجم الكارثة الإنسانية التي تشهدها الفاشر والحاجة الملحة إلى تقديم المساعدة والدعم للنازحين.

 

دعوات للهدنة وتقديم المساعدات

في ظل هذا الوضع المأساوي، تتصاعد الدعوات إلى فرض هدنة إنسانية عاجلة في الفاشر للسماح بوصول المساعدات الإنسانية وتقديم الدعم للمتضررين. أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، دعا لفرض هدنة للأهداف الإنسانية لمدة أسبوع في الفاشر، وهو الطلب الذى وافق عليه الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد القوات المسلحة السودانية، إلا أن الدعم السريع لم تعلن موافقتها على الهدنة، واستمرت في هجماتها على المدينة. من الضروري أن تتوقف جميع الأطراف المتحاربة عن الأعمال العدائية وتسمح بوصول المساعدات الإنسانية لإنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة.