تشهد ولاية شمال كردفان تصعيدًا ملحوظًا في حدة الصراع بين القوات المسلحة السودانية وميليشيا الدعم السريع، وذلك بعد فترة من الهدوء النسبي. يمثل إقليم كردفان نقطة ارتكاز استراتيجية في الصراع الدائر، حيث يسعى الجيش السوداني إلى تحقيق تقدم واختراق الإقليم بهدف استعادته من قبضة الدعم السريع، ومن ثم التوجه نحو إقليم دارفور الذي يشهد سيطرة واسعة من قبل الميليشيا على مناطق عدة. وقد تمكنت القوات المسلحة السودانية من فرض سيطرتها على منطقتي "الرياش" و "كازقيل" بولاية شمال كردفان، بعد دحر فلول ميليشيا الدعم السريع وتكبيدها خسائر كبيرة، وفقًا لبيان صادر عن الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبد الله. تأتي هذه التطورات في إطار سعي الجيش السوداني لاستعادة السيطرة على المناطق التي فقدها لصالح الدعم السريع، وتأمين خطوط الإمداد والتموين للقوات الحكومية في دارفور.
تحركات عسكرية متبادلة وتعزيزات للطرفين
في المقابل، أفادت تقارير بأن قوات الدعم السريع دفعت بتعزيزات عسكرية إلى المنطقة في محاولة لعرقلة تقدم الجيش السوداني، وتأمين مواقعها في شمال كردفان. وكانت قوات الدعم السريع قد أعلنت في أواخر مايو الماضي سيطرتها على منطقة كازقيل، التي تقع على بعد حوالي 45 كيلومترًا جنوب مدينة الأبيض، وذلك ضمن عملية عسكرية أوسع مكنتها من السيطرة على عدة مناطق في جنوب وغرب وشمال كردفان. وتأتي هذه التحركات العسكرية المتبادلة في ظل استعدادات من كلا الطرفين لجولة جديدة من المواجهات العسكرية، بهدف تحقيق مكاسب على الأرض وتغيير موازين القوى في إقليم كردفان. وأكد جنود من الجيش في مقاطع متداولة عبر السوشيال ميديا، عزمهم مواصلة التقدم نحو الحمادي، في مؤشر على استمرار العمليات العسكرية في المنطقة، وهو ما ينذر بتصعيد أكبر في الأيام القادمة.
كردفان: ساحة حاسمة في الصراع السوداني
تُعد ولاية شمال كردفان، بحسب مراقبين، ساحة حاسمة في الصراع الدائر، حيث تعتبرها قوات الدعم السريع خط الدفاع الأول عن مناطق نفوذها في غرب البلاد، بينما يسعى الجيش إلى اختراق هذا الحزام والتقدم نحو دارفور، التي لا تزال تشهد سيطرة واسعة لقوات الدعم السريع. وتكتسب السيطرة على كردفان أهمية استراتيجية كبيرة، حيث تتيح للقوات التي تسيطر عليها التحكم في طرق الإمداد والتموين، والتأثير على مسار العمليات العسكرية في دارفور. كما أن كردفان تعتبر منطقة عبور رئيسية للتجارة والتهريب، مما يجعل السيطرة عليها ذات أهمية اقتصادية أيضًا. ولهذه الأسباب، من المتوقع أن تشهد كردفان مزيدًا من التصعيد في حدة الصراع خلال الفترة المقبلة، حيث يسعى كلا الطرفين إلى تحقيق مكاسب على الأرض وتأمين مواقعه.
تداعيات الصراع على المدنيين: نزوح وتدهور الأوضاع الإنسانية
تواصل الدعم السريع شن هجمات عنيفة على قرى بارا بولاية شمال كردفان، وهو ما أدى إلى نزوح آلاف الأسر إلى الولايات الأخرى. ومطلع الشهر الجارى، شنت الدعم السريع هجمات على قرى بارا بالتزامن مع تقدّم الجيش إلى المدينة التي تبعد 40 كيلومترًا عن الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان. وقالت منظمة الهجرة الدولية، في بيان إن 3,260 أسرة نزحت من عدة قرى في محلية بارا بسبب تزايد انعدام الأمن"، مشيرة إلى أن الفارّين نزحوا من 12 قرية على الأقل، منها أم قرفة، والمرخة، وأم تراكيش. وأشارت إلى أن النازحين فرّوا إلى مناطق في شيكان وأم دم حاج أحمد في شمال كردفان، والعباسية في جنوب كردفان، وتندلتي وكوستي في النيل الأبيض، وأم درمان بولاية الخرطوم. وتفاقم الأوضاع الإنسانية في كردفان نتيجة للصراع الدائر، حيث يعاني المدنيون من نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه النظيفة، بالإضافة إلى تدهور الخدمات الصحية والتعليمية.
مخاوف من تصعيد أوسع وتأثيره على الاستقرار الإقليمي
تخشى ميليشيا الدعم السريع وصول قوات الجيش السوداني إلى بارا، حيث يستطيع بعدها الانتشار في بوادي سودري وأم بادر، بما يمكنه من الوصول إلى مليط في شمال دارفور، تمهيدًا لفكّ الحصار عن الفاشر بعد تعثّر مسعى الوصول إليها عبر الخُوى في غرب كردفان، وفقا لسودان تربيون. وفي نهاية يونيو الماضى، هاجمت الدعم السريع قرى بمحلية شيكان، منها "لمينا وألحقونا"، في محاولة ترمي إلى تضييق الخناق على مدينة الأبيض. يثير التصعيد المحتمل في كردفان مخاوف من اتساع نطاق الصراع وتأثيره على الاستقرار الإقليمي، حيث أن استمرار القتال قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، وزيادة أعداد النازحين واللاجئين، وتهديد الأمن والاستقرار في دول الجوار. ويتطلب الوضع في كردفان تحركًا عاجلًا من المجتمع الدولي لوقف القتال، وتقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين، والعمل على إيجاد حل سياسي شامل للأزمة السودانية.