أكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية يوم الثلاثاء أن العالم سيضطر إلى التأقلم مع موجات الحر المتزايدة، وذلك في الوقت الذي تشهد فيه أجزاء واسعة من أوروبا ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة في مطلع فصل الصيف. وحذرت المنظمة التابعة للأمم المتحدة من أن الناس يجب أن يتوقعوا موجات حر أكثر تواتراً وشدة في المستقبل القريب، وذلك بسبب التغير المناخي الناجم عن النشاط البشري. وأشارت المتحدثة باسم المنظمة، كلير نوليس، إلى أن شهر يوليو يعتبر تقليدياً الشهر الأكثر حراً في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، إلا أن تسجيل موجات حر شديدة في هذا الوقت المبكر من الصيف يعتبر أمراً استثنائياً، على الرغم من أنه ليس غير مسبوق. وأضافت نوليس في مؤتمر صحفي عقد في جنيف أن الحرارة الشديدة "تُسمّى على نطاق واسع القاتل الصامت"، وذلك لأن الإحصاءات الرسمية لا تعكس العدد الحقيقي للقتلى الناجمين عنها بشكل كامل، على عكس الظواهر المناخية الأخرى مثل الأعاصير. هذا التحذير يأتي في ظل تزايد المخاوف العالمية بشأن تأثيرات التغير المناخي على الصحة العامة والاقتصاد والبنية التحتية.
أوضحت نوليس أن موجة الحر التي تشهدها أوروبا حالياً ناجمة عن نظام ضغط جوي مرتفع حاد، مضيفة: "هذا الأمر يؤدي إلى احتجاز الهواء الساخن الآتي من شمال إفريقيا فوق المنطقة، ويسبب ذلك تأثيراً كبيراً على ما نشعر به وكيف نتصرف". هذا النظام الجوي يعمل كغطاء يحبس الهواء الساخن ويمنعه من التبدد، مما يؤدي إلى ارتفاع مستمر في درجات الحرارة.
وفي ألمانيا، سجلت خدمة الأرصاد الجوية الألمانية أعلى درجة حرارة في البلاد هذا العام حتى الآن، حيث بلغت 37.8 درجة مئوية في مدينة كيتسينغن بولاية بافاريا، وفقاً لقياسات أولية. وتجاوزت هذه الدرجة الرقم القياسي السابق المسجل هذا العام في منطقة بورباخ بمدينة زاربروكن، والذي بلغ 36.2 درجة مئوية في 22 يونيو. ويتوقع خبراء الأرصاد الجوية أن تبقى درجات الحرارة مرتفعة في الوقت الحالي، مع إمكانية تجاوز الرقم القياسي المسجل في كيتسينغن، حيث يتوقع أن ترتفع الحرارة أكثر قليلاً، مع توقعات بوصولها محلياً إلى نحو 40 درجة مئوية.
هذا الارتفاع الحاد في درجات الحرارة يضع ضغوطاً كبيرة على شبكات الطاقة والبنية التحتية الحيوية.
إلى جانب ألمانيا، تعرضت عدة مدن إيطالية لانقطاع في التيار الكهربائي نتيجة موجة الحر الصيفية. وذكرت وكالة الأنباء الإيطالية "أنسا" أن التيار انقطع بشكل مؤقت عن العديد من المتاجر في وسط مدينة فلورنسا المزدحمة، مما أدى إلى توقف ماكينات الصراف الآلي والسلالم الكهربائية عن العمل، واضطرت بعض المتاجر إلى إغلاق أبوابها بالكامل. كما شهدت المناطق القريبة من مدينة ميلانو ضغطاً كبيراً على شبكة الكهرباء. وتأثرت أيضاً مدينة بيرغامو، حيث توقفت إشارات المرور عن العمل وانقطعت الكهرباء عن المنازل والمتاجر والورش الحرفيين، وعلق عدد من الأشخاص داخل المصاعد. هذه الانقطاعات المتكررة في التيار الكهربائي تسلط الضوء على هشاشة البنية التحتية في مواجهة الظروف الجوية القاسية، وتثير تساؤلات حول الاستعداد لمواجهة تحديات التغير المناخي.
وفي البرتغال، سُجل رقم قياسي جديد للحرارة في شهر يونيو، حيث بلغت 46.6 درجة مئوية في مورا، على بعد حوالي مئة كيلومتر شرق لشبونة. وذكر المعهد البرتغالي للبحار والغلاف الجوي أن الرقم القياسي السابق سُجل عام 2017 في الكاسير دو سال. ووُضعت عدة مناطق بما في ذلك المناطق المحيطة بالعاصمة، في حالة تأهب قصوى بسبب موجة الحر التي اجتاحت معظم أنحاء أوروبا. وظلت ثماني مناطق داخلية في البرتغال في ثاني أعلى مستوى من التأهب، مع أعلى خطر لاندلاع حرائق غابات خاصة مناطق الغابات في وسط وشمال البلاد. وفي إسبانيا، أفادت هيئة الأرصاد الجوية الإسبانية بارتفاع درجات الحرارة في جنوب البلاد إلى 46 درجة مئوية، وهو رقم قياسي يسجل في يونيو، بينما أفاد العلماء أن البحر الأبيض المتوسط كان أكثر دفئاً من المعتاد، حيث بلغت درجة حرارة المياه 26.01 درجة مئوية، وهو رقم قياسي آخر ليونيو. هذه الأرقام القياسية الجديدة تؤكد على خطورة الوضع وتستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من آثار التغير المناخي.
صرّح مايكل بيرن، الخبير في علم المناخ في جامعة سانت أندروز في اسكتلندا، بأن ظاهرة القباب الحرارية - عندما يحبس الهواء الدافئ في الغلاف الجوي - ليست بالأمر الجديد، مضيفاً أن "الجديد هو درجات الحرارة التي تُحدثها القباب الحرارية. فالحرارة في أوروبا أعلى بدرجتين مئويتين مما كانت عليه في العصر ما قبل الصناعي، لذا عندما تحدث قبة حرارية تتسبب بموجة حر أشد". هذا يعني أن تأثيرات القباب الحرارية تتفاقم بسبب ارتفاع درجات الحرارة الأساسية الناجمة عن التغير المناخي، مما يؤدي إلى موجات حر أكثر شدة وتأثيراً. يجب على الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمعات المحلية العمل معاً لتقليل الانبعاثات الكربونية وتبني ممارسات مستدامة للتكيف مع التغيرات المناخية الحتمية. بالإضافة إلى ذلك، يجب توعية الجمهور بمخاطر موجات الحر وكيفية حماية أنفسهم وعائلاتهم، خاصة الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل كبار السن والأطفال والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة.