لطالما كانت نيويورك مدينة محورية في التاريخ الأميركي والعالمي، وقد وثّقت ناشيونال جيوغرافيك هذا الصعود والتحول على مرّ أكثر من قرن من الزمن. في صيف عام 1957، استقبلت نيويورك بحفاوة بالغة نسخة طبق الأصل من سفينة "مايفلاور"، "مايفلاور 2"، التي أعادت إحياء رحلة الحجاج الأوائل عام 1620. احتفلت المدينة بوصول السفينة بموكب مهيب، ونشرت ناشيونال جيوغرافيك لاحقًا مقالًا بقلم قبطان السفينة، ضمّنته صورًا لرحلتها عبر المحيط الأطلسي ووصولها إلى نيويورك. هذا الحدث يعكس الأهمية التاريخية لنيويورك كبوابة إلى أميركا ورمزًا للأمل والبدايات الجديدة. ومع احتفال المدينة بالذكرى الـ400 لتأسيسها باسم "نيو أمستردام"، تعود ناشيونال جيوغرافيك إلى أرشيفها الغني لتسليط الضوء على التغيرات التي شهدتها المدينة عبر الزمن.

 

نيويورك.. بوتقة تنصهر فيها الثقافات

 

في بدايات القرن العشرين، ركزت ناشيونال جيوغرافيك على تصوير نيويورك كمركز جذب عالمي، وملتقى للثقافات المختلفة. وصف أحد المقالات المدينة بأنها موطن لأعداد من الأيرلنديين والإيطاليين تفوق أعدادهم في دبلن وروما. لم تكن نيويورك مجرد مدينة أميركية، بل كانت "شلال الحياة الأميركية" ونهرًا يتدفق فيه البشر من جميع أنحاء العالم بحثًا عن الفرص. هذه النظرة تؤكد على دور نيويورك التاريخي كمركز للهجرة والتنوع الثقافي، حيث يجد كل فرد مكانه وفرصته لتحقيق أحلامه. تميزت المدينة بقدرتها على استيعاب المهاجرين وتحويلهم إلى جزء لا يتجزأ من نسيجها الاجتماعي والثقافي الفريد.

 

العمارة والثقافة: عدسة ناشيونال جيوغرافيك

 

ركزت المقالات الأولى في ناشيونال جيوغرافيك على الجوانب المعمارية والثقافية للمدينة، مسلطة الضوء على المعالم البارزة والحياة اليومية لسكانها. هدفت هذه المقالات إلى منح القراء تجربة سفر افتراضية، تمكنهم من استكشاف نيويورك وهم في منازلهم. وصف أحد الكتاب في عام 1930 المدينة بأنها "عملاق"، ودعا القراء إلى الصعود إلى أسطح الفنادق الشاهقة لمشاهدة المدينة وهي تنبض بالحياة بعد غروب الشمس. هذه الصور الشعرية تعكس سحر نيويورك وقدرتها على إبهار الزوار والمقيمين على حد سواء. لقد كانت ناشيونال جيوغرافيك بمثابة نافذة يطل منها العالم على نيويورك، ليشاهدوا عظمة مبانيها وتنوع ثقافتها.

 

من الترفيه إلى القضايا البيئية والاجتماعية

 

مع مرور الوقت، تطور تركيز ناشيونال جيوغرافيك ليشمل قضايا أكثر أهمية، مثل التحديات البيئية والاجتماعية التي تواجه المدينة. بدأت المجلة في التطرق إلى قضايا مثل تلوث المياه ومكبات النفايات، مسلطة الضوء على الآثار السلبية للتوسع الحضري والتصنيع على البيئة. لاحقًا، تناولت المجلة تأثير هجمات 11 سبتمبر الإرهابية وجائحة "كوفيد-19" على المدينة، موثقةً التحديات التي واجهها سكان نيويورك وكيف تمكنوا من التغلب عليها. هذا التحول في التوجه التحريري يعكس التزام ناشيونال جيوغرافيك بتغطية جميع جوانب الحياة في نيويورك، من اللحظات الاحتفالية إلى الأوقات الصعبة.

 

التغيير المستمر: سمة مميزة لنيويورك

 

التغيير هو السمة المميزة لنيويورك، وقد وثقت ناشيونال جيوغرافيك هذا التحول المستمر على مرّ أكثر من قرن. في مقال نُشر عام 2015 بعنوان "نيويورك الجديدة"، تأمل الكاتب "بيت هاميل" في التغيرات التي شهدتها المدينة، مسلطًا الضوء على التحديات والفرص التي تواجهها. استمرت ناشيونال جيوغرافيك في تقديم صورة حية وواقعية لنيويورك، مدينة لا تعرف الثبات وتسعى دائمًا إلى التجدد والابتكار. من خلال عدسة ناشيونال جيوغرافيك، يمكننا أن نرى كيف تطورت نيويورك من مستعمرة هولندية صغيرة إلى مدينة عالمية، وكيف استطاعت أن تحافظ على مكانتها كمركز للثقافة والاقتصاد والابتكار.

على مرّ أكثر من قرن، واكبت ناشيونال جيوغرافيك صعود مدينة نيويورك النابضة بمظاهر الحيوية والتجدد. بقلم: بيكي ليتل 1 July 2025 - تابع لعدد يوليو 2025. صيف عام 1957، أبحرَت نسخةٌ طبق الأصل من سفينة "مايفلاور" عائدةً إلى ميناء نيويورك. وكانت هذه السفينة، التي أطلق عليها اسم "مايفلاور 2"، قد انتهت للتو من إعادة تتبع مسار رحلة الحجاج في عام 1620 عبر المحيط الأطلسي لتأسيس مستعمرة في أميركا. وقد احتفت مدينة نيويورك بوصولها بموكب احتفالي نُثِرَت في أجوائه شرائط الورق الملونة. كان ذلك في شهر نوفمبر من العام ذاته، إذْ نشرت ناشيونال جيوغرافيك مقالًا كتبه قبطان السفينة عن رحلة "مايفلاور 2"، ضمّنته صورًا كثيرة لرحلتها عبر المحيط ووصولها المظفَّر إلى مدينة نيويورك (التي لم تكن محطة توقف في طريق السفينة الأصلية إلى بليموث بولاية ماساتشوسيتس). ومع احتفال المدينة هذا العام بالذكرى الـ400 لتأسيسها بوصفها مستعمرة هولندية باسم "نيو أمستردام"، قلَّبت ناشيونال جيوغرافيك صفحات تقاريرها الصحافية عن المدينة على مرّ القرن الماضي.

وقد ألقى أحد أبكر المقالات الضوء على عوامل جذبها، حيث كتب صاحبه ما يلي: "يوجد فيها عدد من الأيرلنديين وأبنائهم وبناتهم أكبر مما في دبلن، وعدد من الإيطاليين وأبنائهم أكبر مما في روما. لكن جاذبية نيويورك لا تقتصر على سكان الولايات المتحدة فحسب، بل تمتد إلى سكان العالم الخارجي أيضًا.. إن نيويورك هي بالفعل شلال الحياة الأميركية.. لذا يمر عبر هذه المدينة نهر البشرية الهائل الذي يسير باتجاه بحر الفرص في العالم الخارجي". ودأبت ناشيونال جيوغرافيك على إطلاع قرائها على أجزاء من العالم قد لا يزورونها أبدًا؛ وفي الأيام الأولى للمجلة العالمية، لم تقتصر تلك الأجزاء على الأراضي البعيدة فحسب، بل شملت أيضًا مدينة نيويورك النابضة بالحياة. وتقول "كاثي هانتر"، كبيرة أمناء المحفوظات لدى "الجمعية الجغرافية الوطنية" الأميركية: "لم تسنح لمعظم الناس فرصة السفر كثيرًا أو السفر إلى أماكن بعيدة"، مضيفة أن المجلة، بمعنى أو بآخر، تحمّلت "عناء السفر نيابة عن القراء وعرضت عليهم أشهر المعالم السياحية".

ركز كثيرٌ من المقالات الأولى للمجلة عن هذه المدينة على العَمارة والناس والثقافة، وهي عناصر أسهمت في تمكين القارئ من تجربة السفر وهو جالس على أريكته المريحة. وكتب مؤلف مقال في عام 1930 بعنوان "هذا العملاق الذي هو نيويورك": "اِصعد إلى سطح أي فندق شاهق بعد غروب الشمس وشاهد المدينة وهي تنبعث من جديد. فتحْتَ ضوء الأقمار وأقواس قزح والمذنبات الثابتة المنبعث من اللافتات والإشارات الكهربائية، تتراءى لك منطقة مانهاتن وهي تتوهج بدءًا من الغسق لتتخذ شكل إضاءة مسرحية رائعة". ثم تغير التوجه التحريري مع مرور الوقت إذْ بدأت المجلة في التطرق لزوايا أكثر أهمية: قضايا بيئية مثل تلوث المياه ومكبات النفايات، ولاحقًا، تأثير هجمات 11 سبتمبر الإرهابية وجائحة "كوفيد19-" في المدينة.

ومع ذلك، ظل التغيير أحد الثوابت في العمل الصحافي لناشيونال جيوغرافيك والذي يمتد أكثر من قرن. ففي مقال نُشر في عام 2015 بعنوان "نيويورك الجديدة"، أورد الكاتب "بِيت هاميل" تأملاته بشأن التحولات التي طرأت على المدينة. يمكن القول أن نيويورك، كما صورتها ناشيونال جيوغرافيك على مر السنين، هي انعكاس للمجتمع الأمريكي ككل. فهي مدينة تعج بالتناقضات، تجمع بين الثراء الفاحش والفقر المدقع، وبين الحداثة المطلقة والتاريخ العريق. إنها مدينة لا تتوقف عن التطور والتغير، وهذا ما يجعلها دائمًا مادة دسمة للصحافة والاستكشاف. ناشيونال جيوغرافيك لعبت دورًا هامًا في توثيق هذه التغيرات وتقديمها للعالم.

إن استعراض مقالات ناشيونال جيوغرافيك عن نيويورك يمثل رحلة عبر الزمن، حيث يمكن للقارئ أن يشاهد كيف تحولت المدينة من مستعمرة هولندية صغيرة إلى مركز عالمي للتجارة والثقافة. يمكن أيضًا ملاحظة كيف تغيرت نظرة المجلة للمدينة، من التركيز على المعالم السياحية إلى الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والبيئية. في النهاية، تقدم ناشيونال جيوغرافيك صورة شاملة ومتوازنة لمدينة نيويورك، تحتفي بإنجازاتها وتتصدى لتحدياتها. وهذا ما يجعل مقالاتها ذات قيمة تاريخية وإعلامية كبيرة. تاريخ نيويورك كما روته ناشيونال جيوغرافيك هو قصة تستحق أن تُقرأ وتُروى.