في قلب جبال سييرا دي سان فرنسيسكو بالمكسيك، حيث ترتفع هضبة باخا الشاسعة، يتشبث رعاة البقر بنمط حياة تقليدي يواجه تحديات جمة. ناري، راعي بقر في الرابعة والثلاثين من عمره، يجسد هذا الصراع اليومي. ثلاث مرات في الأسبوع، يقود قافلة من الحمير المحملة بالمياه، قاطعًا مسافة طويلة من مزرعته المتضررة من الجفاف إلى نبع جبلي بعيد. هذا الجهد المضني هو شريان الحياة لعائلته وعدد قليل من المزارع الأخرى التي تصارع من أجل البقاء في هذا الجيب النائي. الطريق الذي يسلكه ناري هو جزء من "إل كامينو ريال"، وهي طريق تاريخية تعود إلى أكثر من 300 عام، كانت تربط مراكز البعثات التبشيرية الإسبانية. اليوم، تشهد هذه الطريق صراعًا من نوع آخر، صراعًا بين الماضي والحاضر، بين التقاليد وضرورات البقاء.

 

تغير المناخ يهدد نمط الحياة التقليدي

 

التغير المناخي يلقي بظلاله القاتمة على حياة رعاة البقر في باخا. أكثر من عام ونصف العام مرّ على آخر تساقط للأمطار الغزيرة، مما أدى إلى جفاف شديد ونقص حاد في الغطاء النباتي. الأبقار أصبحت أضعف وأكثر عرضة للأمراض، فيما تبحث قطعان الماعز عن الكلأ في أماكن أخرى. ناري نفسه يواجه هذه التحديات بشكل مباشر، حيث وجد عجلًا صغيرًا مريضًا على جانب الطريق، ضحية على ما يبدو للجوع وتناول النباتات السامة. هذا العجل المريض ليس مجرد حالة فردية، بل هو رمز للأزمة التي تهدد سبل عيش رعاة البقر في باخا.

إن قلة الموارد الطبيعية تجعل الحفاظ على نمط الحياة التقليدي أمرًا صعبًا للغاية.

زحف الحداثة وابتعاد الأجيال الشابة

 

بالإضافة إلى التحديات البيئية، يواجه رعاة البقر في باخا تحديًا آخر يتمثل في زحف الحداثة. الأجيال الشابة تبتعد تدريجيًا عن نمط الحياة الريفي المنعزل، بحثًا عن فرص أفضل في المدن. هذا النزوح يهدد بانقراض ثقافة رعاة البقر، التي تعتمد على نقل المعرفة والمهارات من جيل إلى جيل. التغيرات الاقتصادية تلعب دورًا كبيرًا في هذا التحول، حيث أصبح من الصعب الاعتماد على الزراعة والرعي كمصدر وحيد للدخل. إن جاذبية الحياة العصرية والفرص المتاحة في المدن تجذب الشباب بعيدًا عن حياة الأجداد.

 

"الباكويروس": ثقافة تُحتضر؟

 

ترودي أنخيل، مرشدة سياحية ومُجهِّزة رحلات ريفية، تصف الوضع قائلة: "يبدو أن كل هذه القوى تتحد ضد رعاة البقر. ويمكننا القول إنها ثقافة تُحتضر". هذا التصريح يعكس الواقع المرير الذي يواجهه رعاة البقر في باخا. ومع ذلك، لا يزال هناك أمل. فبعض رعاة البقر، مثل ناري، مصممون على الحفاظ على نمط حياتهم التقليدي ونقلها إلى الأجيال القادمة. إنهم يبحثون عن طرق مبتكرة للتكيف مع التغيرات البيئية والاقتصادية، مثل استخدام تقنيات الري الحديثة وتنويع مصادر الدخل. إن صمود رعاة البقر في باخا هو شهادة على قوة الإرادة الإنسانية والقدرة على التكيف في وجه التحديات.

 

نظرة إلى المستقبل

 

مستقبل رعاة البقر في باخا غير واضح المعالم. فالحفاظ على هذا النمط من العيش يتطلب جهودًا متضافرة من المجتمع المحلي والحكومة والمنظمات غير الحكومية. دعم المزارعين المحليين، وتوفير التدريب والتعليم، وتعزيز السياحة المستدامة، كلها خطوات ضرورية للحفاظ على هذه الثقافة الفريدة. قصة ناري هي قصة أمل وصمود، ولكنها أيضًا قصة تحذير. إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة، فإن ثقافة رعاة البقر في باخا قد تختفي إلى الأبد. إن الحفاظ على التراث الثقافي يتطلب استثمارًا في المستقبل ودعمًا للمجتمعات المحلية.