في ليلةٍ من ليالي ديسمبر الماضي، بينما كانت المستكشفة لدى ناشيونال جيوغرافيك، كيم بيرنارد، تترقب نتائج استطلاع قاع البحر من على متن سفينة أبحاث قبالة سواحل أنتاركتيكا، لاحظت شيئًا غريبًا. كانت بيرنارد، عالمة البيئة البحرية المتخصصة في دراسة الكريل، تراقب بثًا مباشرًا من مركبة تعمل عن بُعد في أعماق المحيط الجنوبي. وسط المياه العكرة وعلى عمق يتجاوز 1000 متر، رصدت حركة مألوفة لقشريات صغيرة تندفع بعيدًا عن شيء ما. هذه الحركة، التي تعرفها بيرنارد جيدًا بحكم خبرتها الطويلة في دراسة الكريل، دفعتها إلى التوجه مسرعة إلى غرفة التحكم في السفينة.
الكريل في بيئة غير متوقعة
في غرفة التحكم، شاهدت بيرنارد صورًا أوضح لحركة الكريل على شاشات متعددة. اكتشفت أن هذه القشريات تتجمع حول فتحة مائية حرارية، وهي شق في قشرة المحيط تلتقي فيه الصهارة الساخنة بمياه البحر. هذه الفتحات تخلق بيئة غنية بالمعادن تجذب كائنات حية متنوعة. العثور على الكريل في هذا المكان كان اكتشافًا غير مسبوق. "لقد كنت كمن فقد عقله"، تتذكر بيرنارد، أستاذة بيولوجيا علم المحيطات لدى "جامعة أوريغون الحكومية". هذه هي المرة الأولى التي يُرصد فيها الكريل، وهو نوع أساسي في النظام البيئي للمحيط الجنوبي، في مثل هذه البيئة.
أهمية الاكتشاف وتأثيره على النظام البيئي
كريل القطب الجنوبي هو حجر الزاوية الذي تقوم عليه الحياة في المحيط الجنوبي. إنه الغذاء الأساسي للعديد من الكائنات، بدءًا من البطاريق الإمبراطورية وصولًا إلى الحيتان الزرقاء. فهم سلوك الكريل وموطنه في قاع البحر يمكن أن يعزز فهمنا للنظام البيئي بأكمله في هذه القارة النائية. أي تغيير في سلوك هذا الكائن الحيوي يمكن أن يكون له تداعيات كبيرة على السلسلة الغذائية بأكملها. اكتشاف بيرنارد يفتح الباب أمام أسئلة جديدة حول تكيف الكريل مع البيئات القاسية وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على مستقبل المحيط الجنوبي.
أسئلة جديدة وتحديات مستقبلية
في تلك الليلة، أدركت بيرنارد أن جميع الكريل الموجود حول الفتحة الحرارية كانوا إناثًا يحملن بيضًا. عادةً ما تطلق هذه الإناث بيضها في أعلى عمود الماء. فلماذا غامرن بالانتقال إلى هذا العمق وفي هذه المرحلة من التكاثر؟ هل كن يتغذين على البكتيريا التي تغطي الفتحة؟ طلبت بيرنارد من المشغل استخدام ذراع الشفط الخاصة بالمركبة لجمع عينات من هذه القشريات. هذه أيضًا كانت سابقة من نوعها، حيث لم يتم جمع عينات من الكريل من هذا العمق من قبل. بدأت بيرنارد في إرسال عينات من معدة الكريل وأنسجته لتحليلها، على أمل العثور على إجابات لهذه الأسئلة المحيرة. هذا العمل، الذي يدعمه برنامج "ناشيونال جيوغرافيك وروليكس لاستكشاف محيطات الكوكب السرمدي"، هو جزء من مشروع طموح يهدف إلى فهم أعمق للحياة في أعماق المحيطات.
رحلة استكشاف مستمرة
إن اكتشاف كيم بيرنارد ليس مجرد حدث علمي، بل هو بداية رحلة استكشاف جديدة. رحلة تسعى إلى فهم أسرار الحياة في أعماق المحيطات وتأثيرها على كوكبنا. من خلال دراسة الكريل في بيئته غير المتوقعة، يمكننا الحصول على رؤى جديدة حول التكيف البيولوجي والتغيرات البيئية التي تؤثر على المحيطات. عمل بيرنارد يذكرنا بأهمية الاستكشاف العلمي في فهم عالمنا وحماية مستقبلنا.