تواجه السودان تحديات بيئية وصحية متزايدة نتيجة لعمليات التعدين، خاصةً التعدين الأهلي أو العشوائي، والتي غالبًا ما تفتقر إلى التنظيم والإشراف الفعال. هذه العمليات، التي تهدف إلى استخراج الذهب والمعادن الأخرى، تستخدم مواد كيميائية خطيرة مثل الزئبق والسيانيد، مما يؤدي إلى تلوث التربة والمياه والهواء. الزئبق، على وجه الخصوص، يمثل تهديدًا كبيرًا للصحة العامة، حيث يتراكم في السلسلة الغذائية ويسبب أضرارًا عصبية وكلوية خطيرة، فضلاً عن تأثيراته المحتملة على الجهاز التناسلي والجهاز المناعي. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تتجاهل عمليات التعدين العشوائية معايير السلامة المهنية، مما يعرض العمال لخطر الإصابات والحوادث المميتة، فضلاً عن التعرض المزمن للمواد السامة.
تتفاقم المشكلة بسبب ضعف الرقابة الحكومية ونقص الإمكانيات اللازمة لتطبيق القوانين البيئية والصحية. العديد من المناطق التي تشهد نشاطًا تعدينيًا مكثفًا تقع في مناطق نائية أو متنازع عليها، مما يجعل من الصعب على السلطات الوصول إليها ومراقبة الأنشطة الجارية. هذا النقص في الرقابة يسمح للمنقبين باستخدام طرق تعدين غير مستدامة وتجاهل المخاطر البيئية والصحية المرتبطة بها. علاوة على ذلك، فإن الفساد والمصالح الخاصة قد تلعب دورًا في تقويض جهود التنظيم والرقابة، مما يزيد من تفاقم المشكلة. هناك حاجة ماسة إلى تعزيز قدرات الحكومة في مجال الرقابة البيئية وتطبيق القوانين، بالإضافة إلى توفير الدعم الفني والمالي للمنقبين لتبني ممارسات تعدين أكثر أمانًا واستدامة.
تثير المخاوف بشأن انتشار السرطان بشكل خاص قلقًا بالغًا. التعرض المزمن للمواد الكيميائية المستخدمة في التعدين، مثل الزئبق والسيانيد، قد يزيد من خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان. الدراسات الوبائية التي أجريت في مناطق أخرى تشهد نشاطًا تعدينيًا مكثفًا أظهرت وجود علاقة بين التعرض لهذه المواد وزيادة معدلات الإصابة بسرطان الدم وسرطان الرئة وسرطان الكلى. ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من البحوث والدراسات في السودان لتحديد مدى تأثير عمليات التعدين على معدلات الإصابة بالسرطان وتقييم المخاطر الصحية المحددة المرتبطة بالتعرض للمواد الكيميائية المستخدمة في التعدين. يجب أن تشمل هذه الدراسات تقييمًا شاملاً للتعرض البيئي والمهني، بالإضافة إلى تحليل البيانات الصحية لتحديد أي أنماط أو اتجاهات غير عادية في معدلات الإصابة بالسرطان.
بالإضافة إلى المخاطر الصحية المباشرة، تساهم عمليات التعدين غير المستدامة أيضًا في تدهور البيئة وتدمير الموارد الطبيعية. إزالة الغابات وتجريف الأراضي يؤدي إلى تآكل التربة وفقدان التنوع البيولوجي وتدهور جودة المياه. تلوث المياه بالمواد الكيميائية المستخدمة في التعدين يؤثر على صحة الإنسان والحيوان والنبات، ويضر بالنظم البيئية المائية. كما أن عمليات التعدين تساهم في تلوث الهواء بالغبار والغازات السامة، مما يؤثر على جودة الهواء وصحة الجهاز التنفسي. هناك حاجة إلى تبني ممارسات تعدين مستدامة تقلل من الأثر البيئي وتحافظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. يجب أن تشمل هذه الممارسات استخدام تقنيات تعدين أكثر كفاءة وأمانًا، وإعادة تأهيل المناطق المتضررة، وتطبيق معايير بيئية صارمة.
لمواجهة هذه التحديات، يجب على الحكومة السودانية والمجتمع الدولي والمجتمع المدني العمل معًا لتطوير وتنفيذ استراتيجيات شاملة لمعالجة الآثار البيئية والصحية لعمليات التعدين. يجب أن تشمل هذه الاستراتيجيات تعزيز الرقابة الحكومية وتطبيق القوانين البيئية والصحية، وتوفير الدعم الفني والمالي للمنقبين لتبني ممارسات تعدين أكثر أمانًا واستدامة، وإجراء البحوث والدراسات لتقييم المخاطر الصحية المرتبطة بالتعرض للمواد الكيميائية المستخدمة في التعدين، وتوعية الجمهور بالمخاطر الصحية والبيئية لعمليات التعدين غير المستدامة. كما يجب على المجتمع الدولي تقديم الدعم الفني والمالي للسودان لمساعدته على تطوير وتنفيذ هذه الاستراتيجيات. من خلال العمل معًا، يمكننا حماية صحة الإنسان والبيئة في السودان وضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة.